كتبت فاتن الحاج في “الأخبار”:
في جلسة قانونية بمن حضر، انتزعت الهيئة العامة لأساتذة الجامعة اللبنانية إقراراً من الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين بإبقاء قرار الإضراب المفتوح والعودة عنه بيدها. وقد صوّتت الهيئة، بإجماع الحاضرين، على القرار الذي تذهب إليه الجامعة للمرة الثالثة هذا العام، وسط غضب كبير من الخروق «الفاقعة» لبعض عمداء الكليات ومديري الفروع لجهة رفض تعليق الامتحانات ومباريات الدخول ولا سيما في كليات الهندسة والزراعة والعلوم وغيرها. وكانت هناك مطالبات من بعض الأساتذة للرابطة بأن تشهّر بأصحاب الخروق وبأن «لا تخذلونا مجدداً». في المقابل، برّر من دافع عن خرق قرار التوقف القسري هذا الموقف بالقول إن «من أجروا الامتحانات في الفصل الدراسي السابق حموا الجامعة والطلاب».
في جلسة كان يُنتظر أن تكون «مصيرية» في مسار تحرّك أساتذة الجامعة وموظفي القطاع العام، لم تمتلئ، أمس، كراسي قاعة المؤتمرات في مجمع الحدث الجامعي بـ «الغاضبين». فمن أصل 1600 أستاذ في التفرّغ والملاك، لم يجاوز عدد الحاضرين الـ150 أستاذاً، في حين خيّم على المشهد تقاذف التهم بشأن «خيانة» الأساتذة للقرار السابق للرابطة بالتوقف القسري عن التعليم، وإصرار المسؤولين الأكاديميين على كسر الأستاذ وخنقه بشمّاعة «مصلحة الطلاب». ووفق نايلة أبي نادر، عضو مستقيل من الهيئة التنفيذية للرابطة، خسر أساتذة الجامعة هيبتهم عندما خضعوا للضغوط وخرجوا من إضرابهم السابق خالي الوفاض وبلا كرامة، سائلة: «من يكون العميد ليتمظهر علينا بالغيرة على طلابنا؟ عميد على مين؟ ومن هم الأساتذة الخائفون؟».
وعلى الرغم من إصرار معظم المشاركين في جلسة الهيئة العامة على مقاطعة كلّ الأعمال الأكاديمية المستمرة في الجامعة هذين الشهرين، و«اللاعودة» الحضورية إلى الصفوف في العام الدراسي المقبل على قاعدة «يا قاتل يا مقتول»، لم يخف البعض قلقه من دخول الإضراب في نفق مظلم، وانطلاق البحث مجدداً، وكما في كل مرة، عن «مخارج» لمقتل «الإضراب المفتوح»، بالنظر إلى أنه ليست هناك جهة رسمية نطالبها بحقوقنا، وانعدام القدرة المالية لدى الدولة.
ثمّة أيضاً من سأل عن أفق التحرك وعمّا إذا كانت هناك خطة عمل محددة للأيام المقبلة، ولا سيما بالنسبة إلى التنسيق مع باقي مكوّنات القطاع العام. مصادر الرابطة قالت لـ«الأخبار» إننا «نتواصل منذ 10 أيام مع روابط الأساتذة والمعلمين وموظفي الإدارة العامة للتحضير لتحرّك مشترك قريباً».
وهنا برزت مداخلة للرئيس السابق للهيئة التنفيذية للرابطة، محمد صميلي، دعا فيها إلى عدم الوقوع في خطأ الدخول في أي صراع فئوي أو قطاعي مع باقي المكوّنات، والانزلاق في الزواريب السياسية «وكنت أتمنى أن لا نلجأ إلى خيار قاتل مثل الإضراب المفتوح». هذا الطرح قابله رأي في صفوف الأساتذة يقول إن «الوضع الحالي لا يحتمل تخطيطاً على المستوى الاستراتيجي، والمطلوب حلول مرحلية سريعة مؤقّتة تؤمّن لنا مقوّمات الحد الأدنى للعيش «نأكل ونشرب ونضوّي من دون الدخول في معارك مع أحد لا القضاة ولا غيرهم».
رئيس الهيئة التنفيذية للرابطة، عامر حلواني، قال إننا «نخوض اليوم معركة الدفاع الأخير عن الجامعة في وجه إرادة السلطة السياسية الجائرة بتصفية القطاع العام»، محمّلاً الأستاذ مسؤولية الالتزام بقرار هيئته النقابية «ولا تطلبوا مني أن أطلب من رئيس أو عميد أو مدير أن يقفل الجامعة، أو أن أعيّن حراساً عليكم». لكن من الحاضرين من خرج ليقول إن «من واجب الرابطة أن تمنحنا الغطاء القانوني وتحمينا من الضغوط التي يمارسها علينا العمداء والمديرون»، وهو ما دعا حلواني للتأكيد أن أحداً لم يجبر أحداً على التعليم وإجراء الامتحانات في المرحلة السابقة، بدليل أن البعض بقي ملتزماً القرار النقابي حتى اللحظة الأخيرة لفكّه. ووجد حلواني نفسه طوال الوقت مضطراً لردّ الاتهامات الموجهة إلى الهيئة التنفيذية وخضوعها للضغوط السياسية، عبر التأكيد «أن ولاءنا كان للجامعة فحسب، ونحن لم نفكّ قرار التوقف القسري الأخير لو لم يخرقه 80% من الأساتذة الذين عادوا إلى التعليم وعزفوا عن الانخراط في عشرات التحركات التي دعونا إليها»، لافتاً إلى أن حجة الإحباط من الواقع النقابي مردودة إلى أصحابها.
إضراب في «الإدارة المركزية»
مقابل الخروق في بعض كليات الجامعة اللبنانية، توقّفت أمس كلّ الأعمال الإدارية في الإدارة المركزية، حيث التزم نحو 50 مدرّباً بقرار الإضراب المفتوح الذي دعت إليه الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين ورابطة العاملين في الجامعة.
ودعا رئيس الجامعة، بسام بدران، الدولة إلى تحمّل مسؤولياتها تجاه 80 ألف طالب قبل أن تتحمّل مسؤولياتها تجاه 5200 أستاذ و2700 مدرب، وأن تضاعف الرواتب وأجر ساعة التعاقد بالحد الأدنى وتخصّص بدل نقل مقطوعاً للأساتذة على غرار الجيش، وأن تمنح مجمّعات الجامعة ومباني الكليات مقوّمات الصمود والحياة.