كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
الانطباع الايجابي المشاع ان تأليف الحكومة لا يزال متاحاً، والوقت لم ينقضِ تماماً او أضحى محرجاً. الى ان يوجه الرئيس نبيه برّي دعوة الى جلسة انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية انطلاقاً من منتصف ليل 31 آب، تظل الفرص ممكنة للاتفاق على الحكومة الجديدة.
من غير الواجب توجيه رئيس مجلس النواب نبيه برّي الدعوة الى جلسة انتخاب الرئيس الجديد في اليوم الاول للمهلة الدستورية، ولا في اسبوعيها الاولين حتى. في الاستحقاق المنصرم، بدأت المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس في 25 آذار 2014 على ان تنتهي في 25 ايار. الا ان الجلسة الاولى للانتخاب – لم تنعقد في كل حال – كانت في 23 نيسان. بعد شهر تقريباً. كذلك من قبل استحقاق 1998، عندما التأم المجلس في الموعد الاول للانتخاب في 15 تشرين الاول بعد انقضاء ثلاثة اسابيع على بدء المهلة الدستورية في 24 ايلول. قبل اتفاق الطائف لم يُنتخب الرئيس دائماً في الاسبوع الاول ولا في الاسابيع الاولى كذلك من المهلة الدستورية، بل يُستمْهل لتوفير اوسع توافق من حوله او تنافس حتى.
لذا، ربما لن يستعجل برّي تحديد موعد جلسة الانتخاب – وهو مختلف تماماً عن توجيه الدعوة ويأتي مكملاً لها – في الاسبوعين الاولين بالضرورة. المرجح دائماً ان الشهر الثاني من الاستحقاق هو الملعب الفعلي للانتخاب. احياناً يدعى النواب الى مواعيد وفي حسبان معظمهم ان النصاب لن ينعقد. في السنوات الاخيرة أضحى الشغور الرئاسي تقليداً يسهل هضمه بعدما تكرر مرات ثلاثاً. وقد يكون مرشحاً لرابعتها. الرئيس ميشال سليمان انتخب في الجلسة 20، والرئيس ميشال عون في الجلسة 45.
مفاد ذلك، الى ان يحين اولاً موعد بدء المهلة الدستورية، وان يحين ثانياً موعد الجلسة الاولى، وان يحين ثالثاً وخصوصاً موعد انتخاب الرئيس الجديد، لكل من المواعيد الثلاثة هذه حيثية ومغزى ودلالة. الا ان الوقت لا يزال مبكراً على المواعيد الثلاثة تلك على الاقل. على ان ذلك يفيد ايضاً ان الزمن لا يزال متاحاً لتأليف الحكومة الجديدة. شهران اضافيان او اكثر بقليل في احسن الاحوال كي يُتفق عليها اذا كان فعلاً المراد، واقرارها بياناً وزارياً لن يكون ذا شأن وبلا جدوى، ومثولها بعد ذلك امام مجلس النواب لنيل الثقة. بعدذاك – اذا كان ذلك حسناً كما في سفر التكوين – يوجّه رئيس المجلس الدعوة الى جلسة الانتخاب.
عند هذا الحد يتوقف نظام المهل. اما الخلاف على تأليف الحكومة فشأن آخر.
في السجالات الاخيرة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، ان كلاً منهما ينتظر اجوبة الآخر على ما طرحه عليه، دونما ان يُعرف تماماً مَن يقتضي ان يجيب اولاً. قال الرئيس نجيب ميقاتي انه سلّم تشكيلة الحكومة وينتظر ملاحظات عون عليها كي يتناقشا. رد عون بأنه ابدى لميقاتي ملاحظات وينتظر تعليقه عليها. هكذا دارت السجالات بين الرئيسين، دونما ان تُكسر حلقة مَن يجيب اولاً. بيد ان ذلك لا ينبىء بالضرورة بأن كليهما لا يريد حكومة جديدة، او يفتعل ازمة دستورية بلا ثمن. الاصح ان المعادلة الحالية النافذة لمراحل التأليف، سواء نجحت او اخفقت في ما بعد، تبدو في الآتي:
1 – ما دام يملك التوقيع الاخير غير المستغنى عنه، ثم اعاد اخيراً تأكيد مشاركته في تأليف الحكومة، يطرح عون مواصفاتها المغايرة عن ميقاتي. ذلك آخر توقيع كبير ومهم له قبل نهاية الولاية، يأخذ في الحسبان ان حظوظ انتخاب خلف له مساوية لحظوظ الوقوع في الشغور الرئاسي. مع انه لمس في الفترة المنصرمة مع ميقاتي كرئيس حكومة ما بين 10 ايلول 2021 و22 ايار 2022 كل تعاون، فلم ينشأ خلاف بينهما ابان ولاية الحكومة المستقيلة، وبَانَ له ميقاتي مجرَّباً ناضجاً متفهّماً على طرف نقيض من سلفه الرئيس سعد الحريري، بيد ان خوضهما الآن غمار الحكومة الجديدة اعاد اليه الصورة المعاكسة، بل الاصح المشاكسة، المشابهة لما كان خبره في علاقته به في خلال ترؤس ميقاتي ثانية حكوماته ما بين عامي 2011 و2014، وكان عون لا يزال رئيس تكتل التغيير والاصلاح. آنذاك كانت خلافاتهما على السطح.
2 – يتصرّف ميقاتي انطلاقاً من ان عامل الوقت لمصلحته. هو رابح كيفما قُلِّب وجه الازمة. لأنه رئيس حكومة تصريف اعمال ورئيس مكلف، وكلاهما ثابتان لا يُنتزعان منه ما داما متلازمين، يملك ان يفرض من الشروط ما يمكّنه من القول انه يريد حكومته هو. لذا يحصر صلاحية رئيس الجمهورية بالتشاور معه في التأليف، لا كشريك له. ما لم يسع الحريري في اي من الاوقات ان يُبرزه امام عون، ما بين عامي 2019 و2021، بتكليفه وعزوفه اكثر من مرة، وهو ان يؤلف حكومته هو لا حكومة المساكنة مع رئيس الجمهورية، يشي تمسّك ميقاتي بصيغته المقترحة واصراره عليها، ربما في التوقيت الحالي الذي يجده استثنائياً ومثالياً على ابواب نهاية الولاية، توخيه ان ينتزع من رئيس الجمهورية ما لم يسع سلفه ان يفعله معه.
3 – تكاد المعادلة الصائبة بين الرئيسين في الوقت الحاضر تكمن في ان ما يتقدم به ميقاتي في تشكيلة الحكومة الجديدة لا يوافق عليه عون، وما يقبل به عون ليس في امكان ميقاتي ان يقدمه. الانكى ان كلا منهما يعرف كذلك، وسلفاً، ما يستفز الآخر ويحمله على الرفض. هما بذلك على طرفي نقيض في مقاربة مواصفاتها، اضف ان انقطاع تواصلهما ضاعف في افتراق وجهتي النظر وأبعدهما اكثر. لا وسيط بينهما لتسهيل التفاهم والافادة من عامل الوقت. رئيس المجلس غير معني مباشرة بالاستحقاق، يفضّل التفرّج على الفصول الاخيرة استعداداً للمرحلة الجديدة المعوَّل عليه فيها لانتخاب الرئيس الجديد. بدوره حزب الله يكتفي بدور مماثل دونما ان يخطو في اتجاه اي من الرئيسين. المعلن ان له مآخذ سلبية على الرئيس المكلف وشكوكاً فيه، الا ان المضمر لديه ان حساباته في الاستحقاق الرئاسي لا تشبه على الاطلاق ما يريده الرئيسان او يفكران فيه. اذذاك تصبح الحكومة غير ذات شأن أو أهمية لديه.