كتبت لينا فخر الدين في “الأخبار”:
هي المرة الأولى التي يتوقف فيها نحو 1100 من المساعدين القضائيين الذين يهتمون بتسيير الأعمال الإدارية للقضاء عن العمل بصورة نهائية. يعني ذلك شل القضاء بشكلٍ كامل لعدم إمكانية تقديم الشكاوى وإصدار الأحكام وحتى عقد جلسات الاستجواب والمحاكمات أو سوْق الموقوفين إلى المحاكم.
تشبه قصور العدل أحوال البلد الذي تنهار أساساته شيئاً فشيئاً جراء الأزمة الاقتصادية. شللٌ تام ضرب الجسم القضائي بعدما أعلن المساعدون القضائيون، أمس، «التوقّف عن العمل بصورة نهائية ومن دون أيّ استثناءات، حتى 5 آب المقبل»، مطالبين بتحسين رواتبهم. أثبت هؤلاء للدولة خطأها عندما اعتبرت أن تصحيح أجور القضاة يحل المشكلة، مؤكّدين لها أن مفاتيح «العدليات» في جيوبهم، وأن في إمكانهم شلّ النظام القضائي برمّته.
وهذه هي المرّة الأولى التي تُقفل فيها أبواب أقلام النيابات العامّة وغرف كتبة القضاة لأكثر من أسبوعين، بعدما كان المساعدون يعتكفون سابقاً لأيام محددة أسبوعياً أو يعلنون الإضراب مع تسيير الأمور الطارئة. كما أنها المرّة الأولى التي يدخل فيها القضاء في «كوما» فعليّة بعدما تحوّلت قصور العدل، حرفياً، إلى مدن أشباح، في ظل عدم إمكانية إصدار الأحكام القضائية تحت طائلة تعرّضها للإبطال لعدم اقترانها بتوقيع الكاتب، واستحالة تنفيذ القرارات القضائيّة لعدم وجود متابعة إدارية ولا حتّى تسجيل الشكاوى في الأقلام. الاستثناء الوحيد هو وجود موظف أو اثنين على أبواب قصور العدل لتوريد مهلة الإسقاط القانونية الأخيرة فقط، أي آخر يوم مهلة فقط بعد استيفاء الرسم نقداً بموجب قرار، وذلك «حتّى لا يُقال إننا نسقط حقوق الناس بالاعتراض على الأحكام ضمن المهل القانونية والتي من الممكن أن نعود عنها أيضاً في حال رأينا أن الدولة تُسقط حقوقنا»، بحسب أحد المساعدين القضائيين.
الإضراب الأول من نوعه لن يكون الأخير، وفق المساعدين القضائيين الذي يرون أن الدولة لن تجد لهم مخرجاً ولن تكرّر الخطأ الذي وقعت فيه عندما حسّنت رواتب القضاة دون غيرهم من الموظفين. وبالتالي، هم على دراية تامّة بأنهم لن ينالوا حقوقهم إلا بتصحيح رواتب جميع الموظفين في القطاع العام، «وهذا مستبعد في ظل الظروف الحالية». وهو ما تيقّنوا منه بعد كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أمس، بأن «تلبية المطالب دفعة واحدة أمر مستحيل».
الجمود الذي سيضرب المحاكم ليس تفصيلاً بوجود أكثر من ألف مساعد قضائي بين مباشر وكاتب ورئيس كتبة ورئيس قلم، موزّعين على الأقلام والمحاكم والدوائر القضائية، أي المحاكم الجزائية والمدنية ودوائر التنفيذ والسجل العقاري، بالإضافة إلى الموظفين في وزارة العدل. وتتوزّع مهام هؤلاء بين تسجيل الشكاوى وإحالتها، وتجهيز الملفات القضائية وتأسيسها، ومتابعة التبليغات بما فيها إرسال البرقيات إلى القطع الأمنية لسوْق الموقوفين إلى الجلسات، إضافة إلى تدوين أقوال المستجوبين والشهود خلال جلسات الاستجواب لدى قضاة التحقيق أو المحاكمات على قوس المحكمة، التوقيع الإلزامي للكتبة على القرارات القضائية، تسجيل طلبات الشركات على أنواعها في السجل التجاري، متابعة أمور التنفيذ الاحتياطي أو التنفيذي في دوائر التنفيذ، متابعة تلقي النفقة في أحكام الطلاق أو متابعة حبس المتمنّعين عن الدفع، متابعة أمور إباحة السفر أو منعه… كلّ ذلك يعني أن القضاء سيكون عاجزاً على مدى أسبوعين عن ممارسة المهام الطارئة أو بالأحرى مهام «أقل الواجب».
«الوضع ينذر بالخطر»، يقول معظم القضاة الذين يشيرون إلى أن السلطة القضائية مُعطلة تماماً بعدما التزم معظم المساعدين القضائيين بقرار لجانهم، وبالتالي صار القضاة عاطلين عن العمل، إذ لم يعد بإمكانهم عقد جلسات الاستجواب والمحاكمات أو حتى متابعة سوْق الموقوفين وإصدار الأحكام، لافتين إلى أن دوائر التنفيذ والنيابات العامة وقضاة التحقيق والسجل العقاري سيكونون الأكثر تأثراً.
هذا أيضاً ما يقوله نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار، الذي رأى أن الإضراب «لن يؤدي إلى أي نتيجة سوى ضرب مصالح الناس ولا سيما الموقوفين والمتقاضين، إضافة إلى مصالح المحامين، وخصوصاً أن الدولة مستلشقة بمصالح الناس وإدارات الدولة»، مشدداً على أنه «لا يجوز أن يتوقف النظر في القضايا الطارئة». وأعرب عن تخوّفه من أن يكون للإضراب علاقة بتعطيل تسجيل الدعاوى التي اتفقت المهن الحرة على رفعها في أواخر هذا الأسبوع على المصارف التي وضعت أموالها فيها».
المساعدون: هذه مطالبنا
في المقابل، يشير أكثر من مساعدٍ قضائي، يرفض الإفصاح عن اسمه، إلى «أننا نُدرك أن تعطيل القضاء هو قضية كبرى ونرفض أن نتحمّل وزر هذا التعطيل أو وزر مصير الموقوفين. لكننا أيضاً رفعنا الصوت عالياً أكثر من مرة ولوّحنا بالتصعيد عندما قمنا بتحركات احتجاجيّة ثم بتخفيف دوامات العمل إلى أن وصلنا إلى الاعتكاف مع تسيير الأمور الطارئة. ولكن الدولة لم تلتفت لمطالبنا، وبدلاً من ذلك قامت بتصحيح أجور القضاة، أما أجورنا فبقيت على حالها وهي تتراوح بين مليون ومئتي ألف ليرة و3 ملايين ليرة لنسبة قليلة منّا، إضافة إلى أقل من مليون ليرة بدل نقل ونحو راتبٍ إضافي كل شهرين من الصندوق الخاص»، مضيفين: «هذا الراتب لا يكفي أصلاً للتزوّد بالوقود شهرياً على اعتبار أن الكثيرين يقطنون بعيداً عن مراكز عملهم».
ويؤكد هؤلاء أنها «المرة الأولى التي يلتزم بها معظم الزملاء بالإضراب الشامل، مشيرين إلى أنهم لا يتخوفون من فضّه «على اعتبار أن السلطة السياسية غير مكترثة لأمرنا، أما القضاة فهم يتفهمون مطلبنا ولا يمكنهم أن يهددوا مثلاً بإحالة بعضنا إلى التفتيش القضائي، فيما قد يمون البعض منهم بالطلب من بعض المساعدين تسيير الأمور الطارئة من دون أن يؤثر ذلك على التحرّك بالمجمل».
ويلفت بعض المساعدين القضائيين إلى أن «مطلبنا ليس تصحيح أجورنا وزيادة بدلات النقل أسوةً بالقضاة وحسب، وإنما أيضاً تحسين التقديمات الاجتماعية التي نفتقدها من جراء عدم استقبالنا في المستشفيات أو إجراء الفحوصات في المختبرات على نفقة تعاونية موظفي الدولة، إضافة إلى غياب المساعدات المدرسية»، مشيرين إلى أنه «في كل مرة يتعرّض فيها أحد الزملاء لوعكة صحيّة نقوم بلمّيّة لمساعدته»، مطالبين بـ«مشروع طابع تعاضد قضائي يصبّ لمصلحة صندوق خاص للمساعدين وليس لمصلحة صندوق التعاضد القضائي الذي يستفيد منه القضاة».