كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
ما إن إنتهت «همروجة» الإنتخابات النيابية التي لم تبدّل كثيراً في صورة المجلس، حتى بدأ الحديث عن المعارك البلدية والإختيارية التي ستشهدها البلدات والقرى اللبنانية كافة.
في الإستحقاق البلدي والإختياري، تسقط كل الحسابات و»البوانتاجات»، وتدخل العوامل المناطقية والعائلية بقوّة لتمتزج بعامل السياسة والأحزاب، لذلك فإن غالبية القوى السياسية تحاول تجنّب هذه الكأس المرّة التي لا مفرّ منها.
وشكّل عامل الشرذمة المتوقّعة أحد أسباب تأجيل الإنتخابات البلدية والإختيارية، لأن هذا الأمر سيؤثّر سلباً على القوى السياسية التي خاضت أعنف معركة في تاريخ الإنتخابات النيابية.
وإذا كان الرهان على المعركة النيابية لتغيير واقع المجلس النيابي، فإن للمجالس البلدية أهمية قصوى في زمن الإنهيار، والحديث عن تطوير النظام والإتجاه نحو اللامركزية الإدارية الموسّعة في ظلّ فشل النظام المركزي.
ويُعتبر هذا الإستحقاق مهمّاً لإعادة إستنهاض الهمم في البلدات والمدن، وليشكل أساس الإنطلاق لعمل إجتماعي وتنموي جديد بعد الإنهيار وبداية التأقلم معه، لكن الخطورة تكمن في تحضير الأجواء منذ الآن لاحتمال تأجيل هذه الإنتخابات بعد التمديد الأول للمجالس البلدية والمخاتير سنة واحدة.
أدّى الضغط الدولي إلى عدم قدرة بعض القوى السياسية على تأجيل الإنتخابات النيابية، في حين أنه من المرجّح أن يساهم هذا الضغط في تمرير إستحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكن ما هو أكيد أن الضغط لإتمام الإنتخابات النيابية والرئاسية غير موجود في الإنتخابات البلدية والإختيارية، وهذا عامل ستستغله الطبقة الحاكمة من أجل تمرير التمديد.
أما العامل الثاني الذي تستغله القوى المتراجعة فيتمثل في رفع منسوب التوتير الطائفي في البلديات المختلطة وعلى رأسها بلدية بيروت، حيث أن غياب تيار «المستقبل» عن المشهد السياسي سيؤدّي حكماً إلى كسر التوازنات الطائفية، وقد يحل ببلدية بيروت ما حلّ في بلديات طرابلس من غياب للتمثيل المسيحي.
وبالنسبة إلى العامل الثالث الذي قد يؤجّل تلك الإنتخابات، فهو يتمثّل في ضعف الإستعدادات اللوجستية وغياب التمويل، فالإنتخابات البلدية والإختيارية تحتاج إلى تحضيرات أكثر من النيابية ولا يمكن إجراؤها في يوم واحد، في حين ان خزينة الدولة تفتقد للأموال اللازمة.
ويأتي الخوف الأكبر على الإستحقاق البلدي والإختياري إذا ما طال أمد الفراغ الرئاسي، وسط عدم القدرة على تأليف حكومة جديدة والإكتفاء بحكومة تصريف الأعمال في زمن الإنهيار، لذلك يصبح التمديد واجباً للبلديات والمخاتير تحت عنوان «الضرورة تبيح المحظور».
هناك تجربة مريرة للتمديد للبلديات والمخاتير، فإذا كانت الحرب الأهلية السبب الرئيسي، إلا أنه بعد إتفاق «الطائف» إنتُخب رئيسان للجمهورية وجرت الإنتخابات النيابية في دورتَي 1992 و1996 ولم تستعجل السلطة إجراء الإنتخابات البلدية والاختيارية، وأجرتها للمرة الاولى بعد الحرب في العام 1998، أي بعد 8 سنوات على سكوت المدفع، في حين أن الإنهيار الذي يعيشه لبنان حالياً أخطر من كل حروب المدفع، مما يفتح باب التمديد الثاني للمجالس البلدية والمخاتير خصوصاً وأن قوى سياسية بدأت التحضير لخيار التمديد وتدرس سبل تمريره من دون ضجّة وتحت عنوان «الظروف القاهرة».