كتب منير الربيع في “المدن”:
في مرآة تكاثر المواقف الداخلية والخارجية من ترسيم الحدود، يبدو لبنان أمام خيارين: إما أن يسارع إلى إنجاز ترسيمها، أو تتسارع مسيرته نحو العزلة والانهيار الشاملين. في مواقفهم المعلنة، يريد المسؤولون اللبنانيون جميعًا إنجاز الترسيم. حزب الله يتهم إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بالمماطلة وكسب الوقت، ويقول إنه لن يسمح لهما بذلك. في المقابل، لا تزال المواقف الأميركية إيجابية، وتشير إلى اقتراب التوصل إلى اتفاق. وهذا ما جاء على لسان السفيرة الأميركية في بيروت، وما تبلغه مسؤولون تواصلوا في الفترة الأخيرة مع المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، آموس هوكشتاين.
المواقف الإيجابية المعلنة
في المواقف المعلنة، تتقدّم الإيجابية على السلبية. وثمة رهانات كثيرة على احتمال اقتراب الوصول إلى إنجاز اتفاق الترسيم. وهناك تقديرات لبنانية تشير إلى أن تهديدات حزب الله بحرب وقلب الطاولة، في مقابل التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة إلى الحزب إياه وتدمير لبنان، تندرج كلها في سياق منع الحرب من الوقوع، واستمرار البحث عن صيغة تسوية، على إيقاع تجدد مسار التفاوض الإقليمي والدولي، وانتظار تفعيل المفاوضات الأميركية – الإيرانية، والإيرانية – السعودية، التي لا بد لها أن تنعكس على الواقع اللبناني.
انتظار المفاوضات النووية
لبنان أمام أسابيع حاسمة. فحزب الله أعطى مهلة حتى شهر أيلول للوصول إلى اتفاق. والرهانات في الداخل تشير إلى أنه خلال الأسابيع الست المقبلة، قد يحصل تطور في الترسيم. ويبقى الرهان الأكبر على الوصول إلى تفاهم إيراني- أميركي على إحياء المفاوضات النووية، وتحقيق تقدم فيها.
أما الرهان اللبناني الأصغر، فيشير إلى احتمال الوصول إلى اتفاق على الترسيم، قبل الوصول إلى حائط مسدود في التفاوض النووي. ففي حال سُدت آفاق تلك المفاوضات، يصير التصعيد حتميًا في المنطقة، وقد يكون لبنان ساحة هذا التصعيد.
ترسيم أو انقسام اجتماعي
نظرًا إلى هذه المواقف والتطورات، أصبح ترسيم الحدود المدخل الأساسي للتعامل الدولي مع لبنان، على قاعدة البحث عن صيغة تسووية بتوازنات إقليمية ودولية.
أما المعادلة الأخرى النقيضة، فتقول إن عدم الترسيم يُبقي لبنان متروكًا لمصيره: المزيد من الانهيارات والأزمات، اقتصادية واجتماعية ومالية ومعيشية. ما يؤدي إلى انفلات الأمن الاجتماعي، القابل لأن يتطور إلى انقسام السياسي أوسع ، يهدد الوحدة الاجتماعية اللبنانية.
أشهر الحسم الثلاثة
لبنان أمام ثلاثة أشهر حاسمة. تتركز الأنظار في شهر ونصف الشهر منها على الترسيم، وسط مخاوف من تطورات تؤدي إلى إشعال الجبهات، في حال عدم الوصول إلى اتفاق، وفقدان آليات استمرار التفاوض. أما الشهر ونصف الشهر التاليان، فيتركزان على البحث عن تسوية سياسية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. مع ما يعنيه ذلك من تصاعد وتيرة الصراع السياسي، بحثًا عن التسوية التي لا يمكن الوصول إليها بلا رعاية دولية.
تتعدد الاحتمالات في هذه الأشهر الثلاثة: إما تتوفر ظروف إقليمية ودولية تنقذ الواقع التفاوضي القائم، وتكون فاتحة مرحلة جديدة من التسويات السياسية. وإما استمرار التعقيد الذي يؤدي إلى تصعيد. والتصعيد له وجهان: أمني وعسكري على الحدود، أو سياسي في الداخل اللبناني على مستويات مختلفة، رئاسيًا واقتصاديًا، مع ما يعنيه ذلك من اشتداد الصراع على وقع الانقسام العمودي، في مشاهد قد تعود باللبنانيين إلى مرحلة التمديد لإميل لحود في العام 2004.
ينتظر لبنان جوابًا أميركيًا في الأسبوعين المقبلين حول التفاوض. المعادلة التي يضعها حزب الله مجددًا تتجاوز مسألة الترسيم، وتركز على ضرورة السماح بالتنقيب والحصول على ضمانات.