كتب عمر البردان في “اللواء”:
شكل اقتحام القاضية غادة عون مع مجموعة من العناصر الأمنية لمصرف لبنان، بحثاً عن حاكمه رياض سلامة، مشهداً من مشاهد المهازل القضائية في هذا البلد، والتي تضاف إلى سلسلة من الفضائح التي ترخي بثقلها على الوضع الداخلي، ما يضع لبنان بمسؤوليه وحكامه في قلب «العصفورية» التي تمنى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ألا نصل إليها. وبدل أن يستغل المسؤولون الاهتمام العربي والدولي بلبنان، على ما خلصت إليه نتائج قمة جدة للأمن والتنمية، فإن الإمعان في شل عمل المؤسسات وتصفية الحسابات، لا يزال يتحكم بمسار الوضع الداخلي، مع العجز الفاضح في عملية تأليف الحكومة. وهذا يؤشر إلى أن الأمور ذاهبة إلى مزيد من التصعيد، حيث كل طرف يرمي كرة التعطيل في ملعب الفريق الآخر وقد ترك هذا المشهد الميليشياوي الذي كان مسرحه المصرف المركزي، أثراً سيئاً للغاية لدى الأوساط الدبلوماسية العربية والدولية التي صدمت بمدى ما أصاب المؤسسات اللبنانية، ومن ضمنها السلطة القضائية من تخبط وإرباك على مختلف المستويات، وكيف أن الصراعات السياسية الدائرة، تتخذ من القضاء مسرحاً لها، بذريعة تطبيق القانون على حاكم مصرف لبنان الذي يدور حوله خلاف عميق بين المكونات السياسية، لم يعد ينطلي على أحد.وهذا مؤشر خطير إلى أبعد الحدود، سيأخذ لبنان إلى منزلقات ليس من السهل تجاوزها.وسط تساؤلات من جانب هذه الأوساط، عما إذا كان توقيف الحاكم سلامة، يأتي في درجة أهم من عملية تأليف حكومة لبلد يحتضر، لا بل ينازع، وهو بأمس الحاجة لعملية إنقاذ سريعة، لتجنيبه موتاً محتماً، إذا استمر هذا الانهيار دون خطوات لمواجهته.
وفي ظل تعثر الملف الحكومي المفتوح على كل الاحتمالات، فإن قرارات قمة جدة للأمن والتنمية، ترى فيها مصادر سياسية بمثابة برنامج عمل للمسؤولين اللبنانيين لا يمكن تجاهله، لناحية الإصرار على تثبيت دعائم دولة المؤسسات، وبسط سيطرة الدولة على كامل أراضيها، إضافة إلى الالتزام بالقرارات الدولية، وإنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها. وإن ما صدر عن هذه القمة، جدد الفرصة للبنان من أجل الالتزام بالتعهدات التي قطعها للمجتمعين العربي والدولي، بعدما تأكد للجميع أن الاحتضان العربي والدولي للبنان ما زال موجوداً في مواجهة المحاولات الإيرانية لوضع اليد عليه.بدليل أن المبادرة الكويتية لا زالت على الطاولة، من خلال الدعم العربي والدولي لها. وهذا ما ظهر في بيان قمة جدة الذي جاءت بنوده متطابقة مع بنود هذه المبادرة.
ولا تخفي الأوساط الدبلوماسية، القول إن واشنطن والعواصم الخليجية وكذلك العربية، تؤيد العودة إلى طاولة المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، بما من شأنه التوصل إلى حلول لهذا الملف في وقت قريب».لكن في الوقت نفسه، فإنها حذرت من «خطورة المسيرات التي يطلقها حزب الله باتجاه إسرائيل، والتي هي رسائل إيرانية بكافة الاتجاهات، رداً على نتائج قمة جدة». وأشارت إلى أن «إيران قد تعمل من أجل إفشال عملية الترسيم البحري. وهذا ما ظهر من خلال مواصلة الحزب في إطلاق المسيرات التي يمكن أن تقود إلى رد إسرائيلي واسع النطاق.
ودعت الأوساط الدبلوماسية، المسؤولين اللبنانيين إلى «الاستفادة من الأجواء الإيجابية التي وفرتها قمة جدة، في ظل حرص عربي ودولي على مساعدته، لإخراجه من أزماته التي يتخبط بها.وهذا ما ركزت عليه حركة الدبلوماسيين العرب والأجانب في لبنان في الأيام الماضية، توازياً مع اللقاءات المكثفة للموفد الفرنسي بيار دوكان الذي يركز في جميع هذه اللقاءات على مصير الخطوات الإصلاحية التي تعهد لبنان بتطبيقها، محذراً من خطورة التساهل في تطبيقها، بالنظر إلى حاجة لبنان الضرورية لها في ظل الظروف الدقيقة التي يمر بها.
وقد اعتبرت الأوساط أن ما نقل عن السفيرة الفرنسية آن غريو بشأن مستقبل الأوضاع في لبنان، إذا بقي الوضع على ما هو عليه من تراجع على كافة المستويات، بأنه خطير للغاية، ويستدعي من المسؤولين تحركاً عاجلاً لتدارك الموقف، وإخراج الوضع من حالة التردي التي يعانيها، بالمسارعة إلى تشكيل حكومة جديدة، حتى ولو كان عمرها قصيراً، ومن ثم التحضير لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في الموعد الدستوري، كاشفة أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، يعتزم الدعوة لانتخاب الرئيس العتيد في مطلع أيلول المقبل.