كتب جوزف الهاشم في “الجمهورية”:
وبدأت الرايات تخفـقُ فوق الخيول الجامحة على طريق بعبدا، وخلف أذيال الخيل مستنفرون، والخناجر مسنونةٌ للطعن في الظهر.
وبدأ الكلام في وسائل الإعلام مثلما في المجالس يتداولون: مواصفات الرئيس القـوي، وقد بُلينا بسوءِ التوصيف والتعريف حيال معنى القـوّة التي يتمتّـع بها الرئيس.
هل تعودُ مواصفات التميّز بالقوة إلى قـوّة العقل وقـوّة الفكر ورجاحة الثقافة ونباهة الحكمة وسعـةِ المعرفة..؟
وهل هي تلك المواصفات التي يحدِّدُها الفيلسوف الفارابي للرئيس القوي «بأنْ يتمتّـع بخصالٍ عقلية وجسمية وأدبية وأخلاقية…؟»
أوْ أنّ الرئيس القـوي هو ربُّ البيت الذي يضرب بالطبل، ويضرب بسيف غيـره، ويمتطي ظهر الشيطان في جنازة القِيَـم ، وينفخ في الرماد لتشتعل منـه النار…؟
مَـنْ هو إذاً، هذا الرئيس القـوي الذي تبتهج بـه مآثـر الحاضر وأمجاد الماضي في ميادين النضال الوطني ، فتُحمَلُ إليه الكؤوس الذهبية على أكُـفِّ الحرائر والحواري.
يـوم كانت رئاسة الجمهورية رئاسةً، كان يتهيَّبها الكبار.
وحين طـاف بها الصغار في سوق النخاسة أصبحت معرَّضةً للبيع.
لا… ليس من حـقّ أيّ ماروني أن يترشح للرئاسة الأولى، بل من حـقّ الرئاسة الأولى على المرشح الماروني أن يكون في مستوى حجم المقام ، وفي مستوى مسؤولية رئاسة لبنان: لبنان التاريخي، ولبنان المتقهقر في مكاره التاريخ.
بقدر ما تقلّص حجم المقعد، تقلّص حجم الرئيس، حتى كاد الحديث عن عـدد المرشحين للرئاسة ينحصر بين إسمين أو ثلاثة، وبهم طـوى التاريخ الماروني أوراقه ونـام.
… هل، من بين ألوف الألوف من الموارنة النوابغ في لبنان وسائر المشرق والمغرب لم يعد هناك من تتوافـر فيه مواصفات القـوة الحقيقية لرئاسة الجمهورية…؟
إذاً، بات من حـقّ هؤلاء أن يقدّموا إخباراً مارونياً إعتراضياً إلى محكمة التاريخ.
وهذا يعني أنّ الشروط المفروضة للرئاسة يجب أن تتمثّل بالضعفاء، لتظلّ ألعوبة في أيدي الأقوياء، وعندهم لكلّ رئيسٍ قـويٍّ بضعفهِ تبريـرٌ قانوني… هكذا، عندما شكّك الإنكليز بالملكة أليزابيت تيودور، على أنّها إبنة هنري الثامن وأمُّهـا آن بولين، أي إنّها مولودة بالزنى، بـرّرَ القانون الإنكليزي هذه التهمة بأنّ كثيراً مِـمَّن تَولوا العرش كانوا أولاد زِنـى (1).
في ظـلِّ هذا الإنقلاب على الواقع الرئاسي، والتشخيص المشبوه للقـوّة الرئاسية، تصبح حظوظ الفـوز بالرئاسة مرتبطةً بخفّـةِ العقلاء لا بقـوّة الأذكياء، عملاً بمقدّمة إبـن خلدون في المُـلْك والخلافة فيقول: «إنّ الإفراط في الذكاء عند الملوك فيه ضـررٌ وسيِّئات كما الإفراط في الشجاعة والجبـن».
إذاً، إعتصموا أيها المرشحون الموارنة للرئاسة، بالإفراط في الجهل، ولتكن قوتكم بقلّـة الذكاء لعلكم تنجحون.
1 – قصّة الحضارة: وِلْ ديورانت: (مجلّد 6 – جزء 1 – فصل 1 – ص: 4).