IMLebanon

هل ينتهي التعليم الرسمي؟

كتب فؤاد بزّي في “الأخبار”:

تتّصل تلميذة بأستاذها لتسأله عن رأيه في تركها للمدرسة الرسمية والانتساب إلى مدرسة خاصة، لأنها لا تريد تضييع وقتها. تخبره أن أهلها يتوقعون أن يكون العام الدراسي المقبل حافلاً بالإضرابات، هذا «إذا كان في تعليم بالرسمي» تنقل عن والدها. سؤال متوقع خصوصاً أن الهجرة من المدارس الرسمية نحو الخاصة انطلقت مع نهاية العام الدراسي الحالي، وإن أمكن أن تضع دولرة الأقساط في المدارس الخاصة حدّاً لها، لكن يبقى هناك من الأهل من يستدين أو يفتش «بالسراج والفتيلة» على مصادر للعملة الأجنبية بهدف واحد: «بدنا أولادنا يتعلموا». هذا غير متاح في المدارس الرسمية التي شهدت هذا العام أكثر من خمسين يوم إضراب ما تسبّب في ضرب التعليم وأهدافه. لم يبقَ شيء في المنهج للتقدّم من خلاله للامتحان الرسمي. وحتى الآن لم تجرِ مراجعة حقيقية لما حصل خلال الأعوام الماضية، كما لم تُقدّم مبادرة حقيقية تشرح للناس ما جرى ويجري.

إفراغ المدرسة الرسمية

سار التعليم الرسمي بشكل انحداري منذ عام 2019. جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية الخانقة التي لا تزال تعصف بلبنان، كانتا السّبب في إقفالات متلاحقة للمدارس كافة، لكن أثرها كان مدوّياً على المدارس الرسمية بشكل خاص. من جهة هي غير مجهزة في معظمها للتعامل مع نمط جديد من التعليم. كما أنّ أساتذتها كانوا، كعادتهم، سبّاقين في المطالبة بحقوقهم عبر الإضرابات. هذه التحركات وصلت إلى ذروتها وحسمت حوالى 50% من أيام التدريس الفعلي هذا العام.

لا يتعاطف الأهل مع الأساتذة، حتى لو كانوا يعترفون بمشكلتهم، بما أنّ الثمن يدفعه أولادهم في المدرسة الرسمية. في العام الدراسي الفائت قرّر أساتذة التعليم الرسمي المقاطعة منذ البداية: تسجيلاً وتعليماً. في المقابل، كانت المدارس الخاصة سبّاقة في إطلاقه بطريقة لا تخلو من الشبهات. افتتحت الدراسة قبل تعميم وزير التربية حتى، في شهر أيلول 2021، وبهذه الطريقة سحبت كلّ المتردّدين من تلامذة التعليم الرسمي. أدّت هذه الحركة، التي تزامنت مع الإضراب، إلى إفراغ الثانويات والمدارس الرسمية بنسبة 50% من التلاميذ. والأرقام تتفاوت بين المدن والقرى والبعد الجغرافي للمدرسة الخاصة.

نخشى سيناريو 2021

لا يختلف العام الدراسي المقبل عن سلفه، إذ لا تقديمات حقيقية تعيد أساتذة التعليم الرسمي إلى صفوفهم. منحة الـ90$ من الدول المانحة توقفت مع انتهاء العام الدراسي، وحتى اليوم هناك أساتذة لم يحصلوا عليها من دون تبريرات مقنعة. كما أنّ المساعدة الاجتماعية المقرّة من الحكومة مشروطة بالحضور، واحتمال عدم دفعها خلال أشهر الصيف وارد، لذا يبقى شبح الإضراب مخيّماً فوق المدارس الرسمية. الأساتذة مستنزفون حتى آخر نفس، يفتشون عن أعمال أخرى كي يستطيعوا «سدّ رمق» عوائلهم. منهم من ترك المدن واتجه صوب القرى للإقامة الصيفية توفيراً للفواتير. «بالضيعة ما بدنا اشتراك، منسرح بالأرض»، تقول الأستاذة ليلى بعدما أقفلت منزلها في بيروت وأوقفت كلّ الخدمات المتعلقة به. تستبعد عودتها العام المقبل إلى التعليم لأنّ التنقل إلى المدرسة ذهاباً وإياباً كان يستهلك كلّ الراتب.

هجرة الأساتذة

يرفض أساتذة التعليم الرسمي تحميلهم مسؤولية ضياع العام الدراسي على التلامذة. «نحن بشر، من لحم ودم، لسنا أضاحي». أما المقارنة مع التعليم الخاص فـ«مرفوضة بالجملة والمفرق». وضع هؤلاء ليس أفضل كثيراً، إذ يعيش أستاذ التعليم الخاص كلّ سنة في قلق عدم تجديد عقده مع المدرسة. يعترف أساتذة الرسمي ببعدهم عن القاعدة الشعبية، ما يتسبّب بعدم تعاطف الناس معهم رغم أنّهم يقدّمون تعليماً ممتازاً إذا ما قورن مع التعليم الخاص. يقول أحد الأساتذة الظرفاء: «دخلت إلى ملحمة صاحبها ينتقد إضراباتنا وطلبت منه بيعي كيلو اللحم بـ18 ألف ليرة، رفض واستهجن، فأبلغته رفضي تعليم ابنه براتب يساوي مليونين ونصف المليون».

عدد من الأساتذة في ملاك التعليم لا يعوّلون على الإضرابات، لذا اختاروا الحلّ الأفضل بالنسبة إليهم، فطلبوا إجازات من دون راتب، أو استيداع، للقيام بأعمال خاصة أو حتى السّفر للعمل. وهنا يبدي أحد أعضاء الهيئة الإدارية في رابطة التعليم الثانوي تخوّفه من «هجرة الأساتذة للتعليم الرسمي لا التلامذة»، مشيراً إلى نسبة الذين تركوا المهنة وصلت إلى حدود الـ30%. ويعلّق على مقرّرات اللجنة الوزارية بالقول «لا تعنينا، أقل ما نقبل به هو حلّ كالذي أعطي للقضاة، أي باحتساب الراتب على 8000 ليرة». ويضيف «بدلات النقل لم تدفع منذ شهر شباط 2021، لماذا نصدّق اليوم الوعود؟».
في المحصلة، يمكن القول إنّ العام الدراسي القادم على المحك، لا بل التعليم الرسمي كلّه في خطر. لذا يحذّر أحد مندوبي الأساتذة الثانويين من أن «سلاح الإضراب بات يطلق النار إلى الخلف، يصيب الأساتذة والتلاميذ والتعليم الرسمي كلّه». يعبّر عن خشية كبيرة من انتهاء القطاع العام برمّته. «نحن أبناء الدولة، دخلنا إليها يوم كانت تبيض ذهباً، واليوم نساهم في تدميرها ونجعل الناس تكفر بها». يدعو جميع زملائه للتفكير بروية، «لو أقفلت المدرسة الرسمية لسنة لن تفتح بعدها أبداً».