كتب رفيق خوري في “نداء الوطن”:
بعضها أعطي له مثل جمال الطبيعة وإعتدال الطقس. وبعضها الآخر من شغل رجال ونساء آمنوا بالتفوق والإبداع: الفن كموسيقى وغناء ومسرح، الأدب والثقافة المنفتحة على الشرق والغرب، الصحافة، المستشفيات، الجامعات، المصارف، ونخبة الأطباء والعلماء والمفكرين والشعراء.
وهذه بدأنا نفقدها ونرى هجرة الأدمغة بفعل الإنحطاط السياسي الذي أدى الى أكبر إنهيار مالي وإقتصادي وإجتماعي وأخلاقي لجهة النهب المنظم للمال العام والخاص وتشويه البيئة والطبيعة الجميلة. لكن المشكلة الأكبر هي “القوة الخشنة”المستعارة التي تدفع البلد الى دور يخدم سواه وليس له، ولا يلائم طبائعه ولا هو يستطيع دفع ثمنه.
قوة خشنة فلسطينية جاءت معها بقوة الأشياء: قوة خشنة سورية، وقوة خشنة إسرائيلية، وقوة خشنة متعددة الجنسيات ذهبت جميعها وجاءت قوة خشنة إيرانية بأيدي لبنانيبن يقاومون الإحتلال الإسرائيلي ويؤمنون بولاية الفقيه.
خلاصة ما وصلنا إليه هي دولة فاشلة وسلطة عاجزة حتى عن تأليف حكومة وخدمة الناس، ومافيا مستفرسة ومتنمرة لا تقيم وزناً إلا لمصالحها الصغيرة. حتى في التفاوض على الثروة النفطية والغازية في البحر، فإن السلطة العاجزة ضيّعت أكثر من عشر سنين في ألعاب بهلوانية ومزايدات لكي تعود اليوم الى نقطة البداية.
و”حزب الله”صاحب القوة الخشنة يمارس التوظيف السياسي والإقليمي، كما تفعل إسرائيل، في حرب لن تقع. وإذا حدث ما يقود إليها بالخطأ أو بقرار كبير، فإن المغامرة تنتهي على طريقة شمشوم الجبار في الأسطورة: عليّ وعلى أعدائي يا رب، يضاف إليها وعلى شركائي في البلد.
والكل يعرف، وسط الإتهامات، ألا مصلحة للبنان اليوم في الذهاب مع دول عربية عدة الى التطبيع مع إسرائيل. ولكن ليس من مصلحته ولا في قدرته أيضاً أن يسير في الإتجاه المعاكس. والمشكلة أن هذا هو ما تقوده إليه القوة الخشنة المستعارة. فالدول العربية، ولاسيما الدول التسع التي إجتمعت بالرئيس جو بايدن في قمة جدة، أكدت بوضوح أن علاقات بعضها المميزة مع أميركا والشراكة الإستراتيجية لبعضها الآخر معها لن تحول دون إقامة علاقات مع الصين وروسيا وإيران والحفاظ على التوازن في إدارة المصالح والسياسات بين الغرب والشرق.
وعلى العكس، فإن “محور الممانعة” يصر على أن ينحاز لبنان العربي الهوية والإنتماء الغربي الهوى الى إيران وروسيا والصين، ويقاتل، لا فقط إسرائيل بل أيضاً الوجود الأميركي في المنطقة، ويخاصم أشقاءه العرب. والواقع أن لبنان كان قبل سطوة القوة الخشنة يمارس التوازن في علاقاته مع الغرب والشرق. وهو اليوم حريص على علاقات حسنة وندية مع إيران وسواها. لكن طهران ليست البديل الإستراتيجي ولا حتى الإقتصادي للبنان من أميركا وفرنسا والسعودية ومصر والعراق والإمارات العربية وسواها.
يقول مثل إسباني: “أحب جارك، ولكن لا تهدم السياج”. ومشكلة لبنان أن المطلوب منه أن يلغي نفسه في الحب ويهدم كل السياجات.