كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
في الوقت الذي تتقاطع فيه كل المعطيات بأن المحادثات التي أجراها الوسيط الاميركي في ترسيم الحدود البحرية آموس هوكستين مع المسؤولين اللبنانيين كانت ايجابية للغاية من دون ان يفصح اي مسؤول اي معلومات عما اتفق عليه في اجتماع قصر بعبدا، بانتظار العودة المتوقعة لهوكستين بعد اسبوعين الى بيروت حاملاً الردود الاسرائيلية على المطالب اللبنانية، فإن ملف تأليف الحكومة لم يبارح مربع المراوحة وبقيت الاحاديث حول هذا الملف تأخذ طابع لزوم ما لا يلزم في دلالة واضحة ان جميع المعنيين سلّموا بما لا يدعو الى الشك الى واقع الابقاء على الحكومة الحالية لتصريف الاعمال، حيث ان دخول البلاد عتبة المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد اقفلت النوافذ امام اي كلام عن تأليف حكومة جديدة لأقل من ثلاثة اشهر، وقد برز ذلك من خلال غياب اي حماسة للرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي لم يتقدم بأي مقترح عدا التوليفة الحكومية التي اودعها رئيس الجمهورية خلال زيارته الاولى التي اعقبت الاستشارات النيابية التي اجراها مع الكتل النيابية والمستقلين في ساحة النجمة.
واذا كان الملف الحكومي مغيباً على مستوى الداخل، فإن الخارج ايضاً لم يعد يعطي هذا الموضوع اي اهمية، وهو وعلى الرغم من انه لا يضع لبنان في اولوية اهتمامته فإنه دخل مرحلة البحث الهادئ في الاستحقاق الرئاسي، حيث بدأ عدد من الدبلوماسيين العرب والاجانب في بيروت يقومون بجولات استطلاعية وإعداد التقارير اللازمة لدولهم حول المناخات السياسية المتعلقة بالمرحلة التي ستعقب خروج الرئيس عون من قصر بعبدا في الخريف المقبل.
وبما ان انتخاب رئيس للجمهورية هي مسألة مرتبطة بعوامل اقليمية ودولية منذ ان نال لبنان استقلاله فإن ما يجري على الساحة الداخلية ليس له المفعول القومي في هذا الاستحقاق، وإنه من الممكن بين ليلة وضحاها التفاهم على اسم الرئيس الجديد اذا تقاطعت المصالح الدولية حوله، حيث يتم اسقاطه على الطبقة السياسية في لبنان ويصبح ايضاً مقبولاً من غالبية القوى.
ويحرص السفراء المتهمون بالانتخابات الرئاسية في لبنان على حضّ المسؤولين اللبنانيين على ضرورة تجنب الوقوع في الفراغ الرئاسي في ظل حكومة يقتصر عملها على تصريف الاعمال بالمعنى الضيق، وفي ظل الانشطار السياسي الموجود، حيث ان وصول لبنان الى هكذا مرحلة ستكون عواقبه وخيمة، سيما وأن الاهتمام الدولي الذي كان موجوداً في مراحل سابقة لم يعد هو ذاته الآن، حيث ان التطورات الحاصلة على مساحة العالم، لا سيما بين روسيا وأوكرانيا او على مستوى العلاقات الاميركية – الصينية التي تأخذ طابع الجمر تحت الرماد حيث ان التوتر بالغ ذروته بين الجانبين، كل ذلك يضع لبنان في أسفل الاجندة اليومية لدى اصحاب القرار في العالم، وهذا يعني انه في حال حصل الفراغ الرئاسي فإن لبنان سيُترك لمصيره ومن الصعب التكهن بما ستكون عليه الاوضاع في لبنان في هكذا مرحلة.
وفي تقدير أوساط سياسية متابعة ان التفاهم على ترسيم الحدود البحرية سيفتح الآفاق واسعاً امام امكانية انتقال لبنان من مرحلة الانحدار التي هو فيها اليوم في كل شيء، الى مرحلة تتسم بشيء من الاستقرار الذي ينعكس على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والمالية، وان بلوغ هذا الهدف سيؤدي الى اعادة نظر بعض الدول في التعاطي مع لبنان الذي سيستفيد الى ابعد الحدود لترتيب وضعه الداخلي واستعادة دوره إن كان على المستوى العربي او على المستوى الدولي.
ومن هنا، فإن هذه الاوساط تعلق اهمية بالغة على الجولات المكوكية التي يقوم بها الوسيط الاميركي الذي سمع من الجانب اللبناني على ماهية مطالبه بالكامل، وكذلك فعل من الجانب الاسرائيلي، وهو الآن اصبح في مرحلة الجوجلة الاخيرة لمطالب الفريقين، تمهيداً لابتداع حل يتم عرضه في الزيارة المقبلة، فإذا لقي هذا الحل القبول المرجو يكون التوقيع على الترسيم بات أمراً محتماً، وفي حال لم يلقَ القبول فإن هذا الامر ربما يمدد مهمة هوكستين بعض الوقت او تذهب هذه الامور الى المواجهة الحتمية حيث ان هامش المناورات لم يعد مقبولاً وأن الوقت يضيق كل يوم، لا بل إنه يضغط في ظل الحاجة الاوروبية للغاز قبل فصل الشتاء، وفي ظل رفض لبنان القبول بأقل من حقه، ورفضه كذلك استمرار التفاوض غير المباشر الى ما شاء الله، وإن كان لبنان يعتبر ما يجري الفرصة الانقاذية الوحيدة للخروج من ازماته، حيث ان اسرائيل ومعها اميركا واوروبا محشورون في الزاوية في ما خص استخراج الغاز، بشكل يمكّن لبنان من الحصول على حقه على الرغم من أنف اسرائيل،ولو أنه في وضع مغاير لكانت واشنطن ومعها تل ابيب تلكأتا في هذا الموضوع، ولكانت مرحلة انتظار لبنان لاستخراج حقه من مياهه طويلة جداً.
وعما اذا كنا في مرحلة السباق بين الانفراج والانفجار بهذا الملف، تسارع الاوساط الى القول ان المناخات الايجابية تتقدم كثيراً، بما يجعلنا نقول ان امكانية الذهاب الى الحرب مبالغ فيها.