جاء في “نداء الوطن”:
تحت سقف “مهلة أيلول” التي وضعها الرئيس الفرنسي لإنجاز كافة القوانين الإصلاحية المطلوبة بموجب دفتر شروط صندوق النقد الدولي، بدأت المنظومة الحاكمة تستشعر “الحشرة” وانسداد الأفق أمام مناورات تضييع الوقت و”اللف والدوران” على حلبة الإصلاح، وهو ما انعكس تخبطاً وتوتراً متصاعداً بين أركانها لا سيما في ضوء تزاحم الاستحقاقات وتشابكها دستورياً وإصلاحياً في الأشهر الثلاثة الأخيرة لنهاية العهد. فعلى وقع ارتفاع منسوب الضغط الدولي على المؤسستين التشريعية والتنفيذية للإسراع في إقرار الموازنة والكابيتال الكونترول، نقلت مصادر واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن” أنّ رسائل حازمة من باريس بلغت المعنيين في بيروت وتشدد على وجوب عدم ربط تطبيقات الأجندة الإصلاحية بالاستحقاقين الرئاسي والحكومي، وهو ما دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى التأكيد على كونه لن يدعو إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية “إلا بعد إنجاز القوانين الإصلاحية المطلوبة من صندوق النقد”.
ومن بين الأمور العالقة في هذا المجال، برزت خلال الأيام الأخيرة قضية التباين في المواقف الرئاسية حيال مرسوم رفع قيمة الدولار الجمركي إلى مستوى تسعيرة منصة صيرفة للدولار، إذ وبعدما وقّع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المرسوم وأرسله إلى قصر بعبدا، أكدت المصادر أنّ “رئيس الجمهورية ميشال عون رفض توقيعه واحتجزه لديه لأنه لا يجد مصلحة في الإقدام على خطوة غير شعبية كهذه في نهاية عهده، ما يضع عملياً الوعود المقطوعة لتحسين رواتب موظفي القطاع العام في مهب الريح لأنها مرتبطة عضوياً بتحسين جباية الدولة عبر اعتماد التسعيرة الجديدة للدولار الجمركي في الموازنة العامة المرتقب إقرارها”.
وفي حين وضعت أوساط سياسية رفض رئيس الجمهورية توقيع مرسوم الدولار الجمركي في إطار “كباش ليّ الأذرع” بينه وبين رئيسي المجلس والحكومة، لتحميلهما تبعات تأخير إنجاز الإصلاحات المطلوبة، كما عبّر صراحةً على مسامعهما في احتفال عيد الجيش، كشفت الأوساط نفسها لـ”نداء الوطن” عن محاولات جارية لاعتماد طرح تسووي يتمّ التحضير له في أروقة المعنيين ويقضي باعتماد سعر 12 ألف ليرة للدولار الجمركي الجديد على أن يصار بعدها إلى رفعه تدريجياً لكي يلامس في مراحل لاحقة سعر السوق بعد إنجاز الإصلاحات المطلوبة. وتوقعت الأوساط أن يبادر وزير المالية يوسف الخليل إلى تقديم هذا الطرح أمام لجنة المال والموازنة بعد غد الاثنين على قاعدة ضرورة “الموازنة بين الإيرادات والمستحقات”، مع الإشارة إلى أنّ “الاتجاه هو نحو اعتماد سعر موحّد لتسعيرة الدولار في الموازنة قد يكون هو نفسه سعر الدولار الجمركي المنوي اعتماده أي 12 ألف ليرة، على أن يعاد رفعه في موازنة العام 2023 إلى ما بين 18 ألف ليرة و20 ألفاً لتحجيم الهوّة الراهنة مع سعر السوق الفعلي للدولار”.
غير أنّ مصادر مالية لفتت الانتباه في المقابل إلى أنّ الدراسات التي أجريت حيال سعر الدولار الجمركي بيّنت أنّ أي تسعيرة دون سقف الـ20 ألف ليرة لن تستطيع تأمين الإيرادات اللازمة للدولة في سبيل الإيفاء بالوعود التي قطعتها بالنسبة لتقديمات موظفي القطاع العام، وبالتالي فإنها ستبقى عاجزة عن تغطية الفارق الناتج عن هذه النفقات إلا من خلال “طبع الليرة” وهو ما سيؤدي حكماً إلى زيادة التضخم وارتفاع حدة المضاربة في السوق السوداء ما سينتج عنه في نهاية المطاف تآكل متسارع لأي زيادة في الرواتب والأجور والتقديمات للموظفين العامين، ما سيعيد الأمور إلى مربعها الأول من الاحتجاجات والإضرابات.
وفي الوقت الضائع من حياة اللبنانيين، بلغ التراشق بين السراي الكبير وميرنا الشالوحي مستويات غير مسبوقة من القدح والذم وهتك الكرامات، بحيث تجدد الاشتباك الكلامي أمس بين المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة ولجنة الإعلام في “التيار الوطني الحر” فكال الجانبان الاتهامات والبهدلات لبعضهما البعض بشكل لم يخلُ من استخدام عبارات مهينة من الأعيرة الثقيلة في معرض استكمال مسلسل الرد والردح المستمر بين ميقاتي وباسيل منذ عشية الذكرى السنوية الثانية لانفجار الرابع من آب. فلم يتوان الأخير عن وصف الأول بـ”الفاسد والكاذب والوقح والجبان”، بينما لم يتردد الأول في استعادة الاستعانة مرة جديدة بالأمثلة الشعبية التي تستخدم عادةً في الرد على الاتهامات التي تسوقها “المومس” بحق الآخرين متوجهاً إلى رئيس “التيار الوطني الحر” من دون أن يسميه بالقول: “ما أفصح “حامل العقوبات الدولية” على فساد موصوف عندما يحاضر بالعفة والنزاهة والاستقامة”، ليعود “التيار” إلى الرد متفاخراً بإدراج رئيسه على قائمة العقوبات الأميركية لرفضه “قطع علاقته مع حزب الله”، وختم متوجهاً إلى ميقاتي: “صاحب المال الفاسد لا يمكن أن يكون يوماً رجل دولة”.