أشار رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال أرسلان إلى “أن لبنان اليوم على مفصل تاريخي سيحدد وجهته في المقبل من السنوات. في ظل تصريف الأعمال الحكومي المستمر منذ أشهر، وقبل فراغ رئاسي نخشى حصوله، وأمام شلل في معظم الإدارات والمؤسسات، نبقى متمسكين، أكثر من أي وقت مضى، بما نكرره منذ سنوات بأننا أمام أزمة نظام نخشى أننا لن نخرج منها، ولو شكلنا حكومة أو انتخبنا رئيسا. الأزمة أعمق، ولا تنفع معها تسويات ظرفية. بل الحاجة ملحة الى مؤتمر وطني عام نتعلم فيه من تجربة ما بعد الطائف، الذي لم ينفذ كما يجب وبدا أنه غير قابل للتنفيذ من دون رعاية خارجية. الحاجة ملحة للاجابة، بشكل موحد، على سؤال: أي لبنان نريد؟ فهذا اللبنان قد تصدع لأن كل فريق يشد به نحو وجهة مختلفة، ونخشى، إن تأخرنا في معالجة أزمة النظام، أن يصبح الوطن غير قابل للالتحام من جديد. اللهم إني بلغت، ليس اليوم فقط بل منذ سنوات، وكل هذا بهدف الوصول إلى الدولة المدنية العادلة وتحقيق المواطنة الحقيقية”.
أضاف: “نحن نفتخر بانتمائنا الطائفي والوطني، ونفتخر بعلاقاتنا العربية وخصوصا مع سوريا الجارة والشقيقة، ونفتخر بتاريخنا، ولكننا كنا وسنبقى نضع مصلحة الوطن في سلم أولوياتنا، فلا استخدمنا الطائفة للتقسيم ولا للمشاركة في الفساد وتغطيته باسمها، ولا لجأنا الى سوريا لنستقوي بها في الداخل، ولا مسحنا يوما دما على أيدينا. نحن منفتحون على الحوار، وعلى الجلوس مع الجميع، فهذا وطن للجميع ولا يمكن لأحد فيه أن يلغي أحدا. فلنذهب من دون عراقيل دستورية وغير دستورية الى انتخاب الرئيس الذي يحظى بالعدد الأكبر من الأصوات، وكما تقبلنا نحن نتائج الانتخابات النيابية وقمنا بقراءتها وتقييمها، كذلك على الجميع أن يفعل في الاستحقاقات كلها.
لا يجوز، بعد اليوم، أن يصبح الفراغ عادة وتصريف الأعمال نهجا. هذا البلد يحتاج الى إصلاحات كبيرة، لا في القوانين كما يحصل، بل في التطبيق من قبل الحكومات التي نعلن اليوم، بصراحة تامة، بأنها لم تكن كلها، حتى تلك التي شاركنا فيها، على قدر الآمال المرجوة منها، فسقطت في وحول الفساد والهدر والنكايات والزبائنية،…فلنذهب الى حكومات منتجة، تلتزم ببرامج، تقدم كشف حساب أمام الرأي العام، تسأل وتجيب، تنجز ولا تمنن، تعمل للجميع لا لحزب ولا لطائفة ولا لزعيم، ولنستفد من لحظة الاهتمام الخارجي بلبنان أو بالأحرى بثروته النفطية، بسبب ملف الترسيم وغيره، وندشن مرحلة جديدة وطويلة من الاستقرار والنهوض، عبر تعديلات دستورية لا تستهدف أي طائفة بل يكون هدفها إصلاح النظام السياسي”.
وتابع ارسلان: “ومما لا شك فيه أن الاقتصاد متلازم مع السياسة، يتأثر بها ويخضع لتقلباتها. وقد سبق أن حذرنا أيضا، منذ سنوات طويلة، من السياسة المالية المتبعة من الحكومات المتعاقبة، والقائمة على الاقتصاد الريعي وعلى الاستدانة ودعم قطاعات على حساب أخرى، فوصلنا الى ما وصلنا اليه من انهيار مالي وانكماش اقتصادي. ولا بد هنا من تحديد المسؤوليات، وهي تتوزع على جهات عدة هي الدولة، ثم الدولة وهنا نعني بها الفاسدون من السياسيين وغير السياسيين، وبعدها مصرف لبنان والمصارف. وبعد تحديد المسؤوليات، لا بد من وضع خطة نهوض تشمل اعادة هيكلة القطاع المصرفي والتمسك بالودائع، من صغيرها الى كبيرها، فهذه حق لأصحابها ولا يجوز المساس بها، إلا ما نتج عن فساد مثبت.
إن الأزمة الحالية أكدت الحاجة الى دعم الصناعة والزراعة، وتعزيز اقتصاد المعرفة الذي بإمكان لبنان أن يتفوق فيه بفضل طاقات شبابه الذين يبرع منهم كثيرون في شركات عالمية.
كما نؤمن بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، بعد أن ثبت أن الدولة رب عمل فاشل. ونؤمن، خصوصا، بإعادة النظر في وضع القطاع العام، فلا يحمل من الموظفين أكثر مما يحتمل، ليعزز بعدها واقع الموظفين وينصفون ماليا. لقد ولى زمن “منقبض وما منشتغل”، و”مرقلي لمرقلك”، و”خود حصتك وعطيني حصتي”، فنحن أمام بلد ينازع وإدارات مهترئة واقتصاد لا حول له ولا قوة وعملة لا قيمة لها.
ولكن، بعد ما سبق كله، ندرك جيدا أن لا سبيل لأي إصلاح إن لم يبدأ من القضاء. فلترفع أيدي السياسيين ورؤساء الطوائف وأصحاب الثروات عن القضاء. حرروا القضاة لتحرروا الوطن.
أعطوا القضاة حقوقهم وطالبوهم بأن يحكموا بالحق. أي عدل ننتظر من قاض يعينه سياسي؟ وأي عدل ننتظره من قاض غير محصن ماليا وأخلاقيا؟ وكما أن العدل أساس الملك، فإن القضاء أساس الإصلاح وإقرار قانون استقلالية القضاء أكثر من ضرورة”.
وأردف: “لقد أرخت الأزمة الحالية بثقلها على قطاعات عدة كانت تشكل ميزة لبنان، من المستشفى الى المدرسة والجامعة. ولا يمكن ترك هذه القطاعات تعاني، بل يجب إيلاؤها الاهتمام المطلوب كي لا يفقد اللبناني ثقته بها كما فقد ثقته بالمؤسسات الرسمية، خصوصا في ظل نزيف هجرة الأطباء. ولا يمكننا هنا إلا أن نؤكد ضرورة وضع خطة مدروسة لتحديد مسار ومصير المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية، على يد متخصصين كفوئين، بعيدا عن السياسة والطائفية وحساباتهما. كما لا يجب أن تترك فئة كبيرة من اللبنانيين من دون استشفاء وضمان اجتماعي، وهذه مسؤولية الدولة ويجب أن تشكل جزءا من أي خطة للتعافي والنهوض.
كما أن الأزمة كانت قاسية جدا على المؤسسات الأمنية، من ضباط ورتباء وعسكريين، تراجعت قيمة رواتبهم وتعويضاتهم بشكل كبير، فضاقت بكثيرين سبل العيش، وهو أمر شديد الخطورة ويهدد، اذا ما استمر واستفحل، الأمن المجتمعي. ونود هنا الإشادة بكيفية تعاطي رؤساء هذه المؤسسات العسكرية والأمنية مع الأزمة، والحد، قدر الإمكان، من تأثيراتها.
لذلك، نجد أن الأولوية في هذه المرحلة هي لتخصيص المساعدات التي تتلقاها هذه المؤسسات للأفراد أكثر من التسليح، لأن الفرد يبقى عصب المؤسسة ومن الواجب النظر الى وضعه، مهما كانت رتبته”.
ولفت ارسلان الى انه “لا يمكن، في ظل هذا العرض للواقع الذي نعيشه، اقتصاديا وماليا واجتماعيا، أن نغفل عن العبء الإضافي الذي يسببه ملف النازحين السوريين، وقد سعينا، مع الوزراء الذين تعاقبوا على هذا الملف، صالح الغريب، رمزي المشرفية وعصام شرف الدين، الى وضع خطة والعمل على تطبيقها وتواصلنا مع المسؤولين المعنيين في الدولة السورية ولقينا تجاوبا، ولكن، وأقولها بصراحة، عانينا من سوء إدارة المتعاقبين على رئاسة الحكومة في لبنان لهذا الملف، ومعهم بعض الأفرقاء المعروفين، فكان يعاد الى الرف كلما حركناه، ويواجه بالعرقلة كلما خطونا به الى الأمام. إن هذا الملف يحتاج الى معالجة سريعة، وحكيمة، وعلمية وموضوعية. والأهم أنه يحتاج الى معالجة وطنية بدل التمترس وراء المحاور، علما أن سلوك البعض يشبه، سياسيا، الذاهبين الى الحج بينما الناس في طريق العودة. فلنذهب الى عودة آمنة، ننسقها بين لبنان وسوريا، بين الدولتين والحكومتين، بعيدا عن استغلال جهات خارجية، من دول ومنظمات لها حساباتها وغاياتها، وكما كنا منذ البداية نبقى على استعداد دائم للتنسيق مع الدولة السورية ومع المعنيين كافة لحل هذا الملف”.
وقال: “لقد بدأت كلامي بالإشارة الى أن لبنان على مفصل تاريخي، وما يزيد من مفصلية المرحلة هو ما بلغناه في التفاوض على الترسيم البحري الذي قد يفتح الباب أمام التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما.
ننطلق في مقاربة هذا الملف من التمسك بحق لبنان، ونثق بأن رئيس الجمهورية لن يفرط بحق، ولكن ما نخشى منه مستقبلا هو أن يكون مصير عائدات النفط كمثل مصير الكثير من الثروات والمساعدات التي ضلت طريق الخزينة وحطت في الجيوب. من هنا ضرورة إنشاء صندوق سيادي شفاف لحفظ هذه العائدات وحسن استثمارها في ما هو منتج، ونكون حينها فعلا أمام قفزة نوعية من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج”.
أضاف: “إن لبنان يحتاج اليوم الى كل مساعدة، ولكن ذلك لا يعني الرضوخ الى شروط تفرض من بنك أو صندوق أو هيئة. يجب أن نمضي بالإصلاح لأننا نحتاج اليه، وليس لأن صندوق النقد الدولي يريد ذلك. ولنعلم أن أموال الصندوق وحدها لن تكفي للنهوض الاقتصادي الذي لا يتحقق من دون حل أزمة النظام السياسي. فاعلموا من أين نبدأ وأي خريطة طريق نسلك بدل الاستمرار بإضاعة الوقت والفرص. لقد مرت سنتان على انفجار المرفأ. الحقيقة غائبة للأسف، والعدالة تائهة. وما دمنا نتحدث مرارا اليوم عن الإصلاح، فإن هذا الملف يحتاج أيضا الى إصلاح بعد أن ضل طريقه في زواريب السياسة ودهاليز القضاء، وبات مصير أهل الضحايا متروكا للقدر. إن الأولوية في هذا الملف هي لإنصاف اللبنانيين، وعلى رأسهم أهالي الضحايا، ومعرفة الحقيقة والمحاسبة. ويحتاج هذا الأمر، الى إبعاد السياسة التي ما دخلت شيئا في لبنان إلا وأفسدته، حتى القضاء. وكما ننظر الى الظلم اللاحق بالأهالي، نتطلع أيضا الى رفع الظلم عن كل موقوف بريء لتسلك هذه القضية مسارها القضائي الطبيعي، بدل ما شهدناه في السنتين المنصرمتين”.
وشدد على أنه “مهما لفحت بنا عواصف من هنا وهناك، ومهما اشتدت الصعاب علينا وعلى الوطن، نحن لا نتغير ولا نضيع البوصلة أبدا. بوصلتنا المقاومة وخطها. نبدأ من القضية الأم، من فلسطين وعاصمتها التي كانت وستبقى القدس. ومن حق مقاومة كل محتل، وكل إرهاب. ولنا في سوريا ودمشقها وجولانها المحتل وحضر وعرنة ومنطقة جبل الشيخ وجرمانا والسويداء جبل العرب وجبل السماق تاريخا لا يمحى، كتبه كثيرون بدمائهم. ولنا في كل سوريا رئيس صديق وأخ هو السيد الدكتور بشار الأسد الذي صمد في وجه أكبر مؤامرة تشن على بلد، وخرج منتصرا. ولنا، أيضا وأيضا، علاقات تاريخية مع محيطنا العربي، وخصوصا دول الخليج التي لا ننسى وقوفها الى جانب لبنان في محطات كثيرة سابقة، وكلنا إيمان وأمل بأن هذه العلاقات ستعود الى سابق عهدها. وما يجب أن يجمعنا، في هذا العصر، ليس فقط التاريخ والجغرافيا والمشاعر، بل الاقتصاد. من هنا الحاجة ماسة الى إنشاء سوق عربي مشترك يشمل، على الأقل، لبنان وسوريا والأردن والعراق، ليتوسع لاحقا”.
وأكد أن “التحديات المقبلة لا نواجهها بالشعارات بل بالعمل والإنتاج والتطور والتعاون.
وكما نتمسك بالعلاقة مع الصديق القريب، نتمسك أيضا بالعلاقة مع الصديق البعيد، وتحديدا روسيا الاتحادية التي يجمعنا بها الاحترام المتبادل ودفاعها عن الشعوب المظلومة. ونؤمن دوما بأن الصداقة مع دولة لا تعني العداء لأخرى، بل نصر على الانفتاح على الجميع متمسكين بثوابتنا ومبادئنا.
نعيش اليوم مخاض سقوط الأحادية العالمية، مما يثبت توجهنا الى تنوع القوى الدولية الذي يساهم بتحرير الشعوب ومحاربة الفقر، خصوصا في الدول النامية”.
وقال: “إنني على ثقة كبيرة بأن مستقبل الحزب سيكون زاهرا، وقد رأيت تعاطفا وحرصا وإرادة في عيون الجميع، في الأشهر القليلة الماضية، فلا أضعفنا مقعد نيابي بالناقص، ولا فقدنا إيماننا بحزبنا وقضيتنا. وقد استفدنا في الفترة الفاصلة بين الانتخابات النيابية وهذا المؤتمر، مع رفاق لنا في قيادة الحزب، لتقييم المرحلة السابقة وقراءتها بتمعن والخروج بالخلاصات المطلوبة. ويتوجب علينا، بعد ما حصل، أن نحدث بعض التغييرات لبث دماء جديدة في شرايين الحزب وخلق حوافز ومنح الفرص. ونشجع هنا الشباب على الإقدام والمبادرة، كما نحث الفتيات والنساء على الغوص أكثر في العمل الحزبي وصولا الى بلوغ المناصب المستحقة في الحزب وخارجه. يحتاج الحزب، كأي جسم حي، الى صيانة وهو ما سنقوم به كواحدة من نتائج هذا المؤتمر، ليشمل التغيير أكثر من منصب، علما أن التغيير لا يعني دوما تقصيرا، ولذلك نشدد على شكر جميع من أعطى، في أي موقع كان، من قلبه ووقته وجهده. لكم مني محبتي ووفائي وفائق التقدير.
لم ينشأ الحزب من أجل بلوغ المراكز بل أولويتنا كانت وستبقى خدمة الناس. وهذه لن نكف عنها، مهما حصل. ويتطلب ذلك تعزيز الدور الاجتماعي والانمائي للحزب في المرحلة المقبلة، للوقوف عند حاجات أهلنا. وأعلن للجميع أننا في هذا المؤتمر، الذي أطلقنا عليه اسم الشهيدين البطلين الحبيبين رامي سلمان وسامر أبي فراج رحمهما الله، اللذين نحيي من خلالهما جميع شهداء الحزب، دخلنا في مرحلة انتقالية تعطي للشباب الدور الأبرز في الإمساك بالقرار الحزبي وبالمراكز كافة، إيمانا مني بمبادئ الحزب العشرة، وتحديدا المبدأ العاشر الذي ينص على أن الشباب مسؤولية ومستقبل، والمجتمع الحي مجتمع ناجح وشاب تتواصل فيه الأجيال ولا تتصارع”.
وختم: “أنا طلال ارسلان، تعرفونني جيدا. وسأبقى كما تعرفونني، وفيا مع الأوفياء، وإن خاصمت أخاصم بشرف، وإن تحالفت لا أسحب يدي ولو قطعت. أنا طلال ارسلان، درزي أرسلاني في الهوية، لبناني، وطني، مقاوم في الانتماء، لا أنسى شهيدا ولا أضحي بصديق. لا أحقد بل أحاسب. أنا طلال مجيد ارسلان، لا تكسرني عاصفة انتخابية ولا تلويني أوراق في صندوق. أنا من الناس ولهم وأحترم إرادتهم. وسأبقى مع الناس، وبقرب الناس. هكذا تعلمت وهكذا تربيت وهكذا علمت ولدي، وهكذا أوصيكم جميعا”.