كتب عبد الله قمح في “الأخبار”:
«تعسّ» نار التباينات بين «النواب التغييريين» تحت الرماد، رغم اجتماعاتهم المستمرة بشكلٍ شبه أسبوعي، بعدما تحولت أشبه بـ«حديث في مطحنة»، الغلبة فيه لأصحاب الصوت العالي.
وتتلخص المشكلة في غياب آلية تنسيق واضحة في شأن المواقف والخيارات حيال القضايا المطروحة، وغياب آلية اتخاذ القرارات بشكل جماعي. ورغم أن عمر هذه الإشكالية من عمر وصولهم إلى البرلمان، إلا أنها باتت تنعكس بشكل واضح وسلبي على أدائهم وعلاقاتهم «العملانية» في ما بينهم ومع «محيطهم».
غياب الآلية أدى إلى إرجاء متواصل لـ«الخلوة» العتيدة التي كان هؤلاء يُخطّطون لعقدها الصيف الجاري، قبل استحقاق رئاسة الجمهورية، والخروج بـ«هيئة قيادية» لتنسيق المواقف وتوحيدها، بما يجعل من كتلة النواب الـ 13 «بيضة قبّان» المجلس. هذا العجز يعزوه عدد من «التغييريين» إلى عدد لا بأس به من «الزملاء» الذين تربطهم «علاقات مع أطراف سياسية ترغب في إبقاء التنافر قائماً بين التغييريين للحفاظ على موقعها المؤثر، ومن أبرز هذه الأطراف حزب الكتائب الذي تسلّل إلى صفوف التغييريين وبات قراره مؤثراً بينهم».
ويلفت هؤلاء، مثلاً، إلى مشاركة النواب مارك ضو ووضاح الصادق وياسين ياسين والياس جرادة ورامي فنج في «الاجتماع التشاوري»، مطلع هذا الأسبوع، مع نواب «يمثلون عملياً قوى سياسية تقليدية»، من بينهم أشرف ريفي المشتبه بإخفائه معلومات حول نترات الأمونيوم التي تسبّبت بانفجار المرفأ حين كان وزيراً للعدل، وفؤاد مخزومي الذي تُثار حوله شُبهات فساد، وسامي الجميل ونعمة افرام وميشال معوض الذين لكل منهم طموحات رئاسية غير خافية، ناهيك عن أنهم لطالما كانوا جزءاً من المنظومة».
ويأخذ نواب في كتلة الـ 13 على زملائهم عدم طرح اللقاء للنقاش في الاجتماع الأسبوعي، واستسهال بعضهم «الفتح على حسابهم» واللجوء إلى «الخط العسكري»، رغم علمهم بمدى تأثير أي حركة في «المجموعة» بشكل عام. ويسألون: «كيف يمكن البعض أن يقدم طلب انتساب إلى تجمع يضم أربعة طامحين إلى رئاسة الجمهورية في ظل غياب التوافق بين التغييريين على اسم محدد؟».
الخلاف على «الشكل والمضمون» يُضاف إليه التساؤل «تفسير اجتماع ثلة نواب من اليمين واليسار والخلفية الإسلامية والـNGOs تحت سقف واحد»، ألحق بالنائبة حليمة قعقور في ركب المعترضين على الأداء، مشيرة إلى أن «عدم مشاركتها في اللقاء يعود إلى غياب البرنامج التشريعي الواضح الذي يحدد الثوابت التي على أساسها ترشحت، وعلى أساسه يتم الحوار مع بقية الكتل»، منتقدة «اللقاءات التي تفتقد أجندة تشريعية واضحة وآليات تعاون»، فيما ربط النائب ميشال دويهي أي مشروع تشاركي مع الكتل الأخرى بـ«المضمون والمشروع والخطة أولاً ثم لا مانع من الكلام والتنسيق».
عملياً، هذه المرة الأولى التي ينتقل فيها النقاش الساخن بين «التغييريين» إلى خارج الغرف بما يعبر عن «أزمة ثقة» حقيقية. ورغم أن «لقاء ساحة النجمة» عزز الاشتباك الداخلي المحموم، إلا أن هذا لا يلغي فرضية وجود أمور «أكبر حجماً».
غير أن مصادر النواب المشاركين تنفي فرضية «الخلافات» مفضلة توصيف «النقاشات الطبيعية». وهي تحصر اللقاء في إطار «التنسيق المتبادل والعادي في سبيل تطوير العمل التشريعي، وخلق مساحة وآلية عمل في مجلس النواب». غير أن المأخذ على هؤلاء هو أنهم يطرحون فكرة «الآلية» على نواب من خارج «السرب التغييري» في وقت يصرون على تجاهل وجود هذه الآلية بين «التغييريين» أنفسهم. وهذا ما يراه زملاء لهم «مقصوداً من البعض للاستمرار في سياسة التفرّد في اتخاذ المواقف وعدم التقيد بموقف جامع». علماً أن مسألة «توحيد الموقف» مطروحة على النقاش منذ مدة، «لكن المؤشرات كثيرة على عدم رغبة بعض النواب في خلق إطار تغييري شامل يخرج عنه موقف موحد».
كل ذلك، يؤدي إلى تعميق الفجوة بين النواب، أو على الأقل بين فئة منهم. لذلك صار الحديث عن «شقاق» بين «التغييريين» فرضية قابلة للنقاش، بما يطيح بالكتلة الكبيرة لمصلحة «تكتلات» صغيرة… وهذا ما يراه البعض «مسألة وقت».