جاء في “الأخبار”:
في ظل الانقسام السياسي الحاد حول الاستحقاقات الدستورية الداهمة، يبدو أن البلاد مقبلة على مواجهة من نوع مختلف تدور حول التفسيرات والاجتهادات والتجاوزات الدستورية. ذلك أن الأمر لا يرتبط فقط بمعركة الصلاحيات، بل بكيفية إدارة البلاد في حالة الشغور الرئاسي، خصوصاً أن الجميع يتصرف على أساس أن الانتخابات الرئاسية قد لا تحصل في موعدها، ما يجعل النقاش حول من يدير البلاد في المرحلة الانتقالية هو العنوان الرئيسي.
عملياً، العودة إلى إثارة ملف تشكيل الحكومة من جديد تتصل أساساً بالمخاوف من انقسام كبير حول الأولويات، لا سيما أن الرئيس ميشال عون ومعه التيار الوطني الحر وآخرون، يتهمون الفريق المقابل الذي يتألف علناً من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالعمل على فرض أمر واقع عنوانه منح حكومة تصريف الأعمال صلاحيات دستورية تتيح لها قيادة البلاد. ووفق المصادر، فإن هذا الفريق يستعين عملياً بقوى خارجية، إذ تظهر الاتصالات التي تقوم بها عواصم خارجية، من السعودية وفرنسا والاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، أن كل هؤلاء يركزون على الملف الرئاسي، ويبحثون في مواصفات أو أسماء المرشحين المفترضين للرئاسة، ويتجاهلون تماماً الحديث عن ضرورة قيام حكومة كاملة المواصفات الآن.
ويتابع المعنيون أن القوى الداخلية الرافضة لتشكيل حكومة متوازنة تستفيد من هذا المناخ الخارجي. لكنها تشير إلى أن هذا الأمر قد يتسبب بمواجهات غير محسوبة بدقة. إذ تسود الأوساط المسيحية عموماً، وفي بكركي أيضاً، كما قوى وشخصيات، أجواء أنه لا ينبغي السكوت عن قضم الصلاحيات العامة من خلال منح حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية، وأن القبول بهذا الموقف سيتسبّب بتوجيه ضربة جديدة إلى اتفاق الطائف وبمشكلة جديدة بين اللبنانيين.
وفي هذا السياق، يبدو أن الجميع يناقش الخطوات المفترض العمل عليها منذ الآن لمنع الوقوع في المحظور. وتلفت المصادر إلى أن الرئيسين بري وميقاتي فاتحا مسؤولين ووزراء بأن لديهما فتاوى دستورية تؤكد إمكان منح حكومة تصريف الأعمال قوة العمل كحكومة كاملة المواصفات في حالة الشغور الرئاسي. لكن بري وميقاتي سمعا من زوارهما أن لعبة الفتاوى والاجتهادات الدستورية لا تنحصر في ملعب واحد. وأن تجاوز الدستور سيدفع الآخرين إلى البحث في خطوات مشابهة. وتردد، بقوة، أن هناك قوى وازنة في الوسط المسيحي تدعو من الآن إلى وضع خيار أساسي مفاده بقاء الرئيس عون في منصبه إلى حين قيام حكومة كاملة المواصفات أو انتخاب رئيس جديد.
مصادر قريبة من القصر الجمهوري أكدت أن الرئيس عون غير معني بالبقاء في بعبدا بعد انتهاء ولايته، وهو أبلغ كل المعنيين بأن هذا خياره. لكن المصادر قالت إن الخيارات البديلة قد تكون مفتوحة أمام أمور أخرى غير فكرة البقاء في القصر، مشيرة إلى أن النقاش يدور حول خيارات بديلة. وأضافت أنه في حال قرّر الفريق الآخر مخالفة الدستور من خلال منح حكومة تصريف الأعمال صفة القادرة على القيام بمقام رئيس الجمهورية، فإن الرئيس عون قادر على أمرين، الأول هو إسقاط التكليف الذي حصل عليه ميقاتي ودعوة المجلس النيابي إلى استشارات جديدة يتم بموجبها اختيار رئيس آخر للحكومة يمكنه تأليفها سريعاً. والثاني هو البحث في طريقة تتيح لرئيس الجمهورية تشكيل حكومة بديلة تتولى إدارة البلاد في حالة الشغور الرئاسي.
ومع أن المصادر نفسها تقر بأن هذه الخطوات «قد تكون محل تشكيك في دستوريتها من قبل أطراف أخرى، إلا أنه لا يمكن السكوت عن مخالفة دستورية فاضحة يقوم بها الطرف الآخر». وقالت المصادر إن «الحل الواقعي المتاح في كل لحظة، هو لجوء الرئيس المكلف إلى فتح نقاش واقعي ومثمر مع رئيس الجمهورية لتشكيل حكومة جديدة خلال الأيام المتبقية قبل أول أيلول المقبل».