كتبت جويل الفغالي في “نداء الوطن”:
أصبح كل شيء في لبنان مسعّراً بالدولار، ما عدا راتب المواطن اللبناني. ومع اقتراب موعد العام الدراسي، تبرز أزمة جديدة تثقل كاهل الأهالي الذين ما زالوا يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية. فمن أين لهم أن يسددوا أقساط المدارس الخاصة، التي فرضت تقاضي قسم منها بالدولار الأميركي؟ وهل سيتخلى الأهل عن أهم عامل يحرر الإنسان من الفقر والجوع والجهل؟
كشف تقرير جديد لمنظمة اليونيسف تحت عنوان “الطفولة المحرومة” أرقاماً جديدة وثّقها تقييم أجري في حزيران 2022، أن “هناك 84 في المئة من الأسر اللبنانية لا تملك ما يكفي من المال لتغطية ضرورات الحياة، كما أن 38 في المئة من العائلات خفّضت نفقات التعليم مقارنة بنسبة 26 في المئة في نيسان 2021. فكيف سيتمكن اهالي طلاب المدارس الخاصة من دفع الاقساط ؟ والى جانب الاضراب في القطاع الرسمي، وفي حال نزوح الطلاب من المدارس الخاصة الى الرسمية، فهل هذه الأخيرة قادرة على استيعاب هذه الأعداد الهائلة؟
صناديق الدعم مستقلة عن الموازنة
زفت المدارس الخاصة الواحدة تلوى الاخرى خبر تقاضي قسم من الأقساط بالدولار، إذ تبين ان هناك تفاوتاً في الأقساط بين مدرسة وأخرى. وهذه الدولارات ستذهب الى صناديق الدعم كي تتمكن المدارس من الاستمرار والقيام بمهامها كما كانت عليه من قبل من جهة، ومن جهة أخرى لتسديد رواتب الأساتذة والمعلمين، على أن يكون هذا الدعم الزامياً. وتكون هذه الصناديق مستقلة بالكامل عن الموازنة بالليرة اللبنانية. “علماً أن فرض الأقساط بالدولار الأميركي يخالف القانون 515 الذي ينص على دفع الأقساط المدرسية بالليرة اللبنانية”، يقول رئيس مدرسة فرير فرن الشباك المهندس إبراهيم نحلة، “كان من المفترض أن تكون هذه الصناديق اختيارية من دون الزام الاهل بدفع مبالغ بالدولار، حيث تساهم في دعمها الأسر الميسورة، فهناك 20 الى 25 بالمئة من الأهالي في مدرستنا قادرون على الدفع بالدولار، أما البقية فما زالوا يتقاضون رواتبهم بالليرة ويعجزون عن تأمين الفريش”، مشيراً الى أن “حوالى 75 بالمئة من الشعب اللبناني يرزح تحت خط الفقر”. ويرى نحلة أن “هذه الزيادات مبررة بما أن الموازنة تقسم الى قسمين: 65 بالمئة أجور ورواتب الاساتذة والمعلمين و35 بالمئة تعود للمصاريف التشغيلية والتي تدفع بالدولار النقدي، ولكن لا يمكن زيادة أجور الاساتذة بالدولار على حساب الأهالي الذين ما زالوا يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية في غياب تام لتعديل الأجور والرواتب”.
نزوح من الخاص الى الرسمي؟
“في السنة الماضية، وعلى عكس كل التوقعات، لم ينزح عدد كبير من الطلاب من المدارس الخاصة الى الرسمية، وبقيت الأعداد في المدارس الخاصة مرتفعة”، يقول رئيس “اتحاد هيئات لجان الاهل في المدارس الخاصة”، ريمون فغالي، “وذلك بسبب إضراب الأساتذة في المدارس الرسمية. أما بالنسبة لهذا العام، أتوقع ألّا نشهد تسرباً من الخاص الى الرسمي بعد إعلان أساتذة الرسمي عن عدم بدء العام الدراسي الجديد، إلا في حال تمكنت الدولة من الوصول الى حل وفتح المدارس الرسمية بطريقة منظمة. ولكن تبقى المشكلة في عدم إمكانية هذه الاخيرة استيعاب هذه الأعداد الهائلة من الطلاب. ومن جهة أخرى، يتوجه العدد الأكبر نحو التعليم الخاص، رغم ارتفاع الأقساط ودولرة قسم منها، نظراً لنوعية التعليم وضمان استمراره. ويمكننا تقسيم نسبة أعداد الطلاب في الخاص بحسب التفاوتات المناطقية، فنسبة أعداد الطلاب في جبل لبنان وبيروت والمتن وكسروان أعلى من تلك الموجودة في الجنوب وطرابلس وعكار”.
حال الأساتذة
وكانت الدولة قد أعطت أساتذة القطاع العام 90 دولاراً “فريش” شهرياً، فماذا عن أساتذة القطاع الخاص؟ وكيف سيتم إرضاؤهم؟ “صحيح أن دولرة قسم من الأقساط هو شرّ لا بدّ منه”، يقول فغالي، “ومن الضروري العمل على ارضاء الأساتذة للحفاظ على جودة التعليم الخاص”. ويرى فغالي أن “دفع قسم من القسط بالدولار أدق وأقل كلفة من الدفع بالليرة اللبنانية وعلى سعر دولار أعلى. لأنه علمياً، وفي حال ستدفع الاقساط بالليرة اللبنانية، ستزيد المدارس حوالى 10 الى 15 بالمئة القيمة كي تحمي نفسها من تخبطات سعر الصرف. على سبيل المثال: بدلاً من أن يتم دفع 1000 دولار فريش على سعر السوق السوداء الذي يتراوح بين 32000 و33000 ليرة، من المرجح ان يطلب تسديد الاقساط بالليرة اللبنانية على أساس 35000 ليرة”.
تفعيل الأجهزة الاجتماعية
“الى جانب حال الأساتذة، لا يمكننا غض النظر عن العائلات التي تعاني من ضيقة مادية، وهي في الوقت نفسه ترغب بتعليم اولادها في المدارس الخاصة”، يقول فغالي، “لذلك نحن كلجان أهل، نطالب بوجود أجهزة اجتماعية قادرة على خدمة المدارس بشفافية كاملة وتأمين مداخيل من خارج الأقساط لمساعدة أهالي الطلاب ذوي الدخل المحدود”.
يهدف العلم الى زيادة الوعي لدى الفرد، كما يعتبر اساساً لتحقيق التنمية المستدامة وانشاء مجتمعات آمنة، وهو المفتاح للحصول على وظيفة والحد من البطالة. وإذا لم تؤخذ هذه المشكلة في لبنان على محمل الجد، فنحن أمام كارثة تربوية حيث يتجه فيها الطلاب نحو المجهول.