كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:
آخر مآسي اللبنانيين تتجلى اليوم بشح مسكنات «المورفين» التي تستخدم للآلام القوية والتي يلجأ إليها عادة مرضى الأمراض المستعصية. لكن حتى هؤلاء باتوا ممنوعين من الموت بسلام ومن دون أوجاع، وبات العذاب الذي يفتك بعائلاتهم التي تعاني الأمَرَّيْن لمجرد فكرة أنها ستفقد أحد أفرادها مضاعفاً برحلة تأمين «المورفين» الذي لم يعد متوافراً إلا بكميات قليلة غير كافية لسد الاحتياجات.
وتعاني سوق الدواء في لبنان من شح كبير في العقاقير التي لا تزال أسعارها مدعومة من قبل مصرف لبنان وبالتحديد أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية، ويندرج «المورفين» في إطار الأدوية التي لا تزال مدعومة لذلك يعاني محتاجوه الأمَرّين لتأمينه.
ويشير هاني نصار، رئيس جمعية «بربارة نصار» لدعم مرضى السرطان إلى أنه منذ شهرين هناك أزمة حقيقية بموضوع «المورفين» الذي يُستخدم في العيادات والمنازل والمعروف بـMST بحيث إن معظم عياراته مقطوعة، وحالياً لا تتواجد إلا كميات صغيرة من عيار الـ30 ملغ. ويوضح نصار لـ«الشرق الأوسط» أن مرضى سرطان العظام مثلاً يحتاجون كميات كبيرة من المورفين قد تصل في الحالات المتقدمة لـ240 ملغ يومياً، وهو مسكن لا يمكن الاستغناء عنه على الإطلاق وإلا عاين المريض الموت من الألم، لافتاً إلى أن هذا النوع من المورفين متواجد في عدد من الصيدليات وليس في جميعها ويوضع داخل خزنات، وللحصول عليه هناك آلية دقيقة وصعبة يجب اتباعها وبالتالي أي تأخير بموافقة وزارة الصحة على استيراد كميات منه يؤدي تلقائياً لتأخير وبعض الأحيان لخلل في المراحل التي تلي هذه الآلية، ما ينعكس مباشرة على المرضى وعائلاتهم.
ويطرق العشرات أبواب الجمعية التي يرأسها نصار والتي تؤمن هذا المورفين إما عبر مساعدات تأتي من الخارج وإما من خلال عائلات مرضى يتوفون لم يستخدموا كل المسكنات التي كانت لديهم. ويشدد نصار على أن الجمعية غير قادرة على أن تحل مكان الدولة والصيدليات خصوصاً أن الطلب يزداد فيما الكميات تتناقص.
رحلة البحث عن «المورفين» تعرفها جيداً جوسلين الجميل التي تعاني والدتها من سرطان العظم وما يرافقه من أوجاع لا تحتمل. تحتاج والدة جوسلين إلى 340 ملغ في اليوم الواحد، وهي كمية كبيرة جداً تسعى لتأمينها لها. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «نقضي أياماً ونحن نبحث في الصيدليات عن المورفين حيث نسمع دائماً أنهم لم يسلموهم الدواء وأنه مقطوع». وتضيف: «قرعنا الكثير من الأبواب في الأيام الماضية وتمكنا بفعل معارفنا من تأمين كمية تكفي لـ3 أسابيع، لكن لا نعرف ماذا سنفعل بعد ذلك». وتدعو جوسلين المعنيين لرفع الدعم عن الدواء إذا كانوا غير قادرين على تأمينه للمرضى. قائلة: «نحن نبحث عن خيارات أخرى كتأمينه من الخارج وإذا لم ننجح بذلك فسنكون مضطرين لأن ندخل الوالدة إلى المستشفى لتحصل على المورفين هناك حيث التكاليف باهظة جداً».
ولا تعاني المستشفيات حالياً من نقص بمورفين الـiv. ويؤكد أحد الأطباء لـ«الشرق الأوسط» أنه متوافر لدى المستشفى الذي يعمل فيه حتى نهاية عام 2022، لكن معظم المرضى غير قادرين على تكبد تكاليف الحصول على المورفين في المشافي حيث باتت الفواتير «خيالية».
وأُعلن مؤخراً عن تخصيص 5 ملايين دولار، للأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة، إضافة إلى مبلغ الـ35 مليون دولار أميركي الذي رصد لوزارة الصحة سابقاً من مصرف لبنان، لشراء أدوية الأمراض السرطانية والأمراض المستعصية وحليب الأطفال ومستلزمات طبية ومواد أولية لصناعة الدواء.
وفي شهر حزيران الماضي أعلنت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في لبنان ومنسقة الشؤون الإنسانية نجاة رشدي تمديد خطة الاستجابة للطوارئ في لبنان حتى نهاية سنة 2022، وطلبت من الجهات المانحة مبلغ 163 مليون دولار لتوفير الحاجات الضرورية للبنانيين والمقيمين الأكثر حاجة.