IMLebanon

لا حرب جنوباً… ولكن!

كتب جوني منيّر في “الجمهورية”:

الإنطباع الغالب لدى الاوساط الديبلوماسية الدولية بأنّ الخلاف الاميركي – الاسرائيلي حول الاتفاق النووي الايراني يدخل في إطار توزيع الادوار واستثمار المرحلة الانتخابية، خصوصاً في اسرائيل على افضل وجه، ما يسمح بمنع بنيامين نتنياهو من العودة إلى رئاسة الحكومة الاسرائيلية، وبالتالي فتح الأبواب أمام ولادة الاتفاق في شهر تشرين الثاني المقبل بعد إقفال صناديق الاقتراع.

لكن ثمة رأياً آخر يخالف هذه النظرة “المبسطة” كما جرى توصيفها. فأنصار هذا الرأي مقتنعون بأنّ الخلاف الدائر بين واشنطن وتل ابيب حول المفاوضات مع ايران هو أعمق وأكثر تعقيداً مما يجري تسويقه، وبالتالي فهو خلاف جدّي لا اعلامي او انتخابي بحت.

أصحاب الرأي الاول يبنون قراءتهم على أساس انّ اسرائيل تعتبر لاعباً صغيراً وثانوياً بالمقارنة مع الولايات المتحدة الاميركية، وانّ واشنطن التي تمسك جيداً بخيوط الآلة العسكرية الاسرائيلية كانت قد “أدّبت” تل ابيب اكثر من مرة عقاباً على تجاوزها الخطوط الحمر التي كانت قد رسمتها، وانّ اسرائيل استخلصت من بعدها الدروس المطلوبة وتعطي أمثلة على ذلك التأخّر المتعمّد في توريد السلاح والذخائر إلى اسرائيل في حرب 1973، و”إخفاق” بطاريات صواريخ “باتريوت” في تأمين حماية اسرائيل من صواريخ “سكود” العراقية في العام 1991 إبان حرب الخليج الاولى. الّا انّ أصحاب الرأي الثاني والذين لا ينكرون هذه الوقائع التاريخية، يشيرون إلى وجود قناعة واسعة لدى شريحة واسعة من الاسرائيليين بأنّ الاتفاق النووي يهدّد عمق أمنها الاستراتيجي، وبالتالي فلا بدّ من السعي بكافة الوسائل المتاحة لإجهاض هذا الاتفاق.

وانطلاقاً من هذه القراءة، فإنّ الاوساط الديبلوماسية تبدي قلقها من احتمال إقدام الحكومة الاسرائيلية على القيام بعمل ما يصبّ في هذا الإطار، ويؤدي إلى نسف الاتفاق ومنع إقراره، خصوصاً انّ اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الاميركية هو فاعل وقوي ومؤثر وتزداد الحاجة اليه في مراحل الانتخابات، وعدا انّ الانتخابات الاميركية النصفية هي على بعد شهرين من الآن وهي تشهد منافسة حادة وقوية، فإنّ لا بدّ من التذكير بأنّ حضور اللوبي اليهودي داخل الحزب الديموقراطي هو أقوى منه في الحزب الجمهوري. في الواقع أمام اسرائيل وجهتان للشغب على الاتفاق النووي.

الوجهة الاولى وهي ايران، من خلال القيام بعملية جوية باتجاه مواقع التصنيع النووي، وخلال المرحلة الماضية قيل انّ اسرائيل نجحت في الحصول على قنابل متخصصة في اختراق التحصينات وتفجيرها في باطن الارض. والمعروف بأنّ ايران بنت العديد من المصانع النووية في قلب الجبال وتحت الارض لحمايتها من الغارات الجوية، لكن اللافت هو ما صدر أخيراً حول نجاح اسرائيل في شراء 4 طائرات “صهاريج” مهمتها تزويد المقاتلات بالوقود في الجو، ما يسمح لها بالقيام بمهمات بعيدة المدى. وصحيح انّ اسرائيل كانت أجرت سابقاً تدريبات مكثفة تحاكي مهام جوية مشابهة، الّا انّ القيام بعملية من هذا النوع تعتبر مخاطرة كبرى كون الردّ الايراني قد يكون غير محسوب، خصوصاً انّ ايران بات لديها “أذرع” قوية في المنطقة تحيط بإسرائيل وفي داخلها.

ربما ما قد يكون اقل خطراً تنفيذ عمليات أمنية داخل ايران ضدّ المنشآت النووية، كما حصل سابقاً مع اغتيال كبير العلماء الايرانيين. اما الوجهة الثانية فهي تطال لبنان وتحديداً “حزب الله” الذي يُعتبر الذراع الايرانية الأقوى والاهم خارج ايران. لا بل فإنّه يعتبر “عاصمة” القوى والتنظيمات المتحالفة مع ايران على الساحة العربية.

لكن مشكلة اسرائيل هنا هي اكبر. فسلاح البرّ الاسرائيلي وتحديداً سلاح المشاة يعاني من مشاكل كبيرة، وهو ليس قادراً على مجاراة عناصر “حزب الله” الذين نشروا قوى النخبة لديهم وفي طليعتهم “مجموعة الرضوان” بالقرب من الحدود. وبخلاف المشاكل النفسية والمعنوية التي يعاني منها الجنود الاسرائيليون، فإنّ عناصر “حزب الله” كانوا كسبوا خبرات قتالية خلال مشاركتهم في المعارك التي دارت على الساحة السورية، وهي خبرات تتعلق بحرب الشوارع واقتحام البلدات والمدن، ما يجعل احتمال اجتياز الحدود باتجاه المستعمرات الاسرائيلية، احتمالاً قائماً وحقيقياً.

أما الاكتفاء بالقيام بحرب جوية على غرار “عناقيد الغضب”، فإنّ النتيجة معروفة سلفاً، صحيح انّ القوة النارية لاسرائيل كبيرة، وانّ الآلة العسكرية التي تمتلكها متطورة، الّا انّ اسرائيل جرّبت اكثر من مرة الحرب الجوية والتي أدّت لاحقاً إلى تعاظم قوة “حزب الله” لا العكس، ومنحه حالة كان يعرف جيداً كيف يستفيد منها لتعزيز حضوره. لذلك تركّز واشنطن بأنّ الحل الافضل هو بالذهاب إلى تحقيق الاتفاق النووي ولو مع بعض “التسويق” الانتخابي المطلوب.

في جنوب لبنان لا توجد اي مؤشرات حربية جدّية في الجانب الاسرائيلي. حتى قوات الطوارئ الدولية والتي تتمركز عند الجانب اللبناني من الحدود لكنها تنتقل إلى الجانب الاسرائيلي، فهي ترسل التقارير إلى قيادتها في نيويورك والتي تؤشر إلى عدم وجود ما يوحي بالتحضير لحرب قريبة. وهي تتولّى تفصيل الواقع الميداني على جانبي الخطر الازرق.

باريس بدورها لا تبدو قلقة إزاء احتمال الانزلاق باتجاه الحرب في لبنان لكنها تبدي توجسها من تفاقم الأزمة السياسية الداخلية في لبنان إلى جانب التدهور المستمر على المستوى المعيشي والنقدي والاقتصادي والحياتي. فمؤسسات الدولة تحلّلت بمعظمها ولم يعد هنالك من وجود للدولة اللبنانية الّا على مستويات معدودة جداً، وفي طليعتها مؤسسة الجيش اللبناني. والأسوأ انّ التناحر مستمر بين اطراف الطبقة السياسية على تشكيل الحكومة والحصص فيها والاستحقاق الرئاسي وكأنّ الاوضاع، بألف خير. “شيء لا يصدّق” يقول مسؤول فرنسي متابع للملف اللبناني، ويضيف: “الاسوأ انّهم لا يخجلون”.

ومن المفترض ان تعود السفيرة الفرنسية آن غريو إلى مركز عملها في بيروت نهاية هذا الاسبوع بعد ان تلتقي وزيرة الخارجية الفرنسية خلال الايام المقبلة.

صحيح انّ الادارة الفرنسية ليست قلقة من حرب في الجنوب بمقدار قلقها على الوضع الداخلي لكنها تدرك بأنّ “التناحر” الداخلي يجعل الصورة ضبابية ويحجب الرؤية عن المعالجات المطلوبة، ويدفع بلبنان إلى قلب التعقيدات الاقليمية.

فوفق أصحاب هذا الرأي انّ لبنان ورغم المشاكل الهائلة التي يعيشها، كان من الممكن ان يتحرك باتجاه مسار العودة لو وجدت الطبقة السياسية الإرادة المطلوبة لذلك وتخلّت عن انانياتها.

وهي تعترف انّ الصراع الدائر حول الاستحقاق الرئاسي فاقم من حدّة الخلافات، وعُلم انّ الادارة الفرنسية اتخذت قراراً بالخروج من “لعبة” تسمية مرشحين للرئاسة في لبنان وبشكل كامل وحازم.

صحيح انّ السفيرة الفرنسية كانت تردد امام زوارها بعدم وجود مرشح رئاسي لفرنسا، الّا انّ التسريبات كانت حفلت بعدد من الاسماء، قيل انّ باريس تفضّل وصول أحدها، وستسعى لتعزيز حظوظها وإقناع الفرقاء بها.

لكن القرار الفرنسي الحاسم والذي جرى ابلاغه لكل المسؤولين عن ملف العلاقات مع لبنان، يقطع الطريق على أي تسريب من هذا النوع، خصوصاً انّ قوى وأحزاب سياسية كانت أبدت تململها وانزعاجها من قائمة الاسماء التي طرحت. وبالتالي فإنّ ما تردّد عن شخصيات طابعها مالي او اقتصادي لم يعد له أساس على المستوى الفرنسي، ربما الخطوة الملحّة وسط التعقيدات الاقليمية هي بالبحث عن ولادة حكومية تؤمّن فترة الفراغ الرئاسي، ولو انّ حظوظها تراجعت كثيراً. فرئيس الجمهورية عاد وتمسك بإضافة 6 وزراء دولة من السياسيين يتولّى هو و”التيار الوطني الحر” تسمية الحصة المسيحية أي 3 وزراء دولة، والّا فلا بحث في الحكومة.

والجلسة الاخيرة التي جمعته مع الرئيس نجيب ميقاتي كانت متشنجة رغم انّها حصلت قبل ساعة واحدة من الخطاب الناري للرئيس نبيه بري. عون قال لميقاتي بشيء من التحذير: “لا يزال امامي شهران من ولايتي وانتظروا مني ماذا سأفعل، وعندما سأغادر قصر بعبدا توقّعوا مني ما هو اكثر”.

قد يصح القول هنا، يتقاسمون الخراب.