كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
عادت قضية التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت إلى واجهة الأحداث هذا الأسبوع بعد قرار مجلس القضاء الأعلى الموافقة على اقتراح لوزير العدل هنري خوري بتعيين قاض رديف للمحقق العدلي القاضي طارق البيطار للبت في طلبات إخلاء سبيل موقوفين ظلماً منذ أكثر من سنتين بقرار إداري من دون اخضاعهم لتحقيق جدي.
وقد تباينت الآراء حول قرار مجلس القضاء الأعلى بين مؤيد ومعارض على غرار كل القضايا اللبنانية الشائكة حيث تختلف القوى السياسية والكتل النيابية في تقويمها وقراءة أبعادها. وانطلق معارضون كثر لهذا القرار من اعتبار أن المستفيد من قرار كهذا هو التيار الوطني الحر الذي يريد الإفراج عن المدير العام للجمارك بدري ضاهر الذي تعرّض حسب المتابعين للقضية لما يشبه مؤامرة وإضطهاداً، فيما المسألة أبعد من ذلك وتتعلق بجميع الموقوفين ظلماً الذين يطالب أهاليهم بفك أسرهم وعدم المماطلة ببت مصيرهم.
ويشير مطلعون على كيفية توقيف البعض إلى وجود قرارات إدارية متسرّعة ومسبقة بالتوقيف لإحتواء الغضب الشعبي غداة وقوع الانفجار في 4 آب، ويكشفون أن المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري وخلال استجوابه بدري ضاهر خاطبه «بدّك تعترف أنك مسؤول ومقصّر ومهمل» ورفض تسلّم أي مستندات تثبت ألا علاقة له بتفريغ شحنة نيترات الأمونيوم كما رفض تدوينها في محضر الاستجواب. واللافت أن هذا القاضي نفسه ادّعى عليه المحقق العدلي في وقت لاحق وقبلت محكمة التمييز الجزائية طلب ردّه ما يعني بطلان تحقيقاته التي استند إليها المدعي العام التمييزي غسان عويدات الذي عاد وتنحّى بدوره بسبب القربى مع الوزير غازي زعيتر وبسبب حفظه تحقيقاً عدلياً أجرته مديرية أمن الدولة قبل شهرين من وقوع الانفجار ثم إعطاؤه تعليمات لادارة المرفأ بتلحيم باب العنبر.
«الضرورات لا تبيح المحظورات» هكذا لخّص نادي قضاة لبنان رؤيته إلى القرار بتعيين قاض رديف، معتبراً أنه «أياً كانت الأسباب التي دفعت بالسلطة إلى الاقتراح والموافقة على الطرح، فكان من الأجدى تعيين بديل عن وزير المالية ليفرج عن مشروع مرسوم التشكيلات القضائية فيعاود التحقيق مساره الطبيعي بشكل قانوني، بدل اللجوء إلى حلّ أجمع أهل القانون والقضاء على عدم قانونيته فلا رديف عند وجود الأصيل». ورأى أنه «ليس هكذا تُصان الحقوق وتتحقق العدالة، وليس هكذا يتم إعادة الثقة بالقضاء ليقوم بفرض هيبته، وليس هكذا يتصرف من يفاوض ويناقش للاستحصال على قانون يكرّس استقلالية السلطة القضائية». وختم «لا تشاركوا في تدمير ما تبقّى من هيبة للقضاء، ولا تشاركوا من يقترح حلولاً اعتباطية، بل تراجعوا عن قراركم، فإن الرجوع عن الخطأ فضيلة!».
وفي معلومات «القدس العربي» أن اقتراح وزير العدل بتعيين رديف كان أحد الحلول المتوافرة لإنقاذ قضية المرفأ من الجمود القاتل منذ أكثر من 8 أشهر بسبب تعليق المحقق العدلي عمله نتيجة طلبات الرد التعسفية واستجابة لمسألة إنسانية تتعلق بالظروف الصحية لبعض الموقوفين. وكان بين اقتراحات الحلول اتخاذ النائب العام التمييزي بصفته يدير الدعوى أو النائب العام المختص مكانياً وبسبب الضرورة ووقف سير التحقيق قراراً بإطلاق سراح الموقوفين خصوصاً المدّعى عليهم خلافاً للقانون ولاسيما لناحية عدم الاستحصال على إذن بالملاحقة من السلطة الإدارية المختصة أو بسبب بطلان الاستجواب والتحقيق الأوّلي والادعاء والتحقيق الابتدائي الحاصلين من قبل قضاة توافرت فيهم موانع قانونية وتمّت تنحيتهم لاحقاً من قبل محكمة التمييز ما يبطل الملاحقة ويجعل التوقيف بصورة غير مشروعة ويوجب إطلاق السراح عملاً بالمادة 403 أصول محاكمات جزائية.
وبين اقتراحات الحلول التي جرى التداول بها أيضاً البت بطلبات نقل الدعوى المقدمة منذ أشهر من قبل المدّعى عليهم والمحالة من قبل رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود إلى الغرفة السادسة برئاسة القاضية جمال الخوري والتي يجب أن تصدر قرارها بشكل عاجل دون تأخير بسبب وجود موقوفين بصورة غير مشروعة وبسبب توقف سير التحقيق وذلك تطبيقاً للمادة 340 من أصول المحاكمات الجزائية.
غير أن الحل رسا أخيراً على اقتراح وزير العدل تعيين قاض رديف مستنداً إلى سابقة تمثّلت بإنتداب القاضي جهاد الوادي محققاً عدلياً في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه أثناء فترة سفر المحقق الاصيل القاضي الياس عيد خلال العطلة القضائية لعام 2006 وذلك بناءً على كتاب وزير العدل الأسبق شارل رزق.
ولكن لم يمر هذا القرار مرور الكرام بل خلق إشكالية جديدة في المسار القضائي علماً أن هوية القاضي الرديف لم تُعرَف بعد ولم تتحدّد الأمور الملحّة التي يمكنه النظر فيها في حال استمرت عملية كف يد البيطار. وعلى هذه الإشكالية ترد أوساط في وزارة العدل بأن الوزير خوري لم يهدف أبداً إلى إقصاء المحقق العدلي الأصيل ولا الاستغناء عنه إنما اتخذ قراره بعد تشاور مع أهالي الموقوفين وأهالي الضحايا ومجلس القضاء الأعلى لإيجاد مخرج قانوني.
في المقابل، لا تبدي قوى معارضة وتغييرية اقتناعها بالخطوة بل ترى فيها استهدافاً للعدالة وصفقة سياسية مشبوهة قبل انتهاء العهد، وتسأل ماذا لو قرّر القاضي الرديف غداً القبول بنقل الصلاحية من التحقيق العدلي إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء؟