كتب هيثم زعيتر في “اللواء”:
لم يكُن بريئاً ما تضمّنه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2650 (2022)، بتجديد ولاية قوّات الطوارئ الدولية “اليونيفل” العاملة في جنوب لبنان لسنة أخرى جديدة.
هذا القرار صدر عن مجلس الأمن الدولي في جلسته التي عقدها يوم الأربعاء 31 آب/أغسطس 2022، بمُوافقة كامل أعضاء المجلس الـ15، وتضمّن للمرّة الأولى مُنذ 44 عاماً، على صدور القرار 425، في آذار/مارس 1978، و16 عاماً على صدور القرار 1701 في آب/أغسطس 2006، ما هو جديد، بتغيير مُهمّة “أصحاب القُبعات الزرقاء”، الذي تمثّل بأنّ “قوّات “اليونيفل” لا تحتاج إلى إذنٍ مُسبق، أو إذنٍ من أي شخص للاضطلاع بالمهام المُوكلة إليها، ويُسمح لها بإجراء عملياتها بشكلٍ مُستقل، ويدعو الأطراف إلى ضمان حُرية حركة “اليونيفل”، بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المُعلنة وغير المُعلنة عنها”.
كما أنّه أدان ما وصفه “مُضايقة وترهيب أفراد “اليونيفل”، وكذلك استخدام حملات التضليل الإعلامي ضد حفظة السلام، كما يطلب من البعثة اتخاذ تدابير لرصد المعلومات المُضللة ومُكافحتها”، إضافة إلى حث الحكومة اللبنانية “على الإسراع في نشر فوج نموذجي من القوّات المُسلّحة اللبنانية في منطقة العمليات”، وأيضاً على الأطراف “تسريع الجُهود لتحريك الخط الأرزق بشكلٍ واضحٍ، والمُضي قُدماً في حَل النقاط الخِلافية”.
ربما الجديد هو تغيير مُهمّة “اليونيفل” دون أنْ تُبلِغ الجيش اللبناني، الذي يُواكبها خلال القيام بعملياتها وتسيير الدوريات، حيث لم تعُد في هذا القرار بحاجةٍ إلى إذنٍ مُسبق، ولا إلى الإبلاغ عن عملياتها، توقيتاً ومكاناً، بل تُنفذ ما تراه مُناسباً!
مسودة مشروع القرار، قدّمتها فرنسا، تحت الرقم 654/2022/S، وصوّت عليها أعضاء مجلس الأمن كافة، والمُفارقة أنّها مُرّرت ضمن هذا القرار تعديل، بحيث شملَ الفقرات 15 و16 و17 من المشروع، دون أي اعتراضٍ من قِبل أي من الأعضاء الـ5 الدائمين في مجلس الأمن الدولي، على الرغم مما تضمّنه من عباراتٍ جديدة، عمّا كان يصدرُ به التجديد، بشكلٍ روتيني.
وعندما كانت تُحاول الولايات المُتّحدة الأميركية تغيير مُهمّة “اليونيفل”، كانت روسيا والصين ترفضان ذلك، فتتُم العودة إلى النص الذي درجت عليه العادة مُنذ توسيع صلاحيات قوّات “اليونيفل”، إثر عُدوان تموز/يوليو 2006.
هُنا، يُطرح التساؤل مَنْ يتحمّل مسؤولية عدم التحدُّث مع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، لجهة التنبُّه إلى اقتراح تغيير المُهمة؟، كيف مُرر ذلك؟، ما هي الانعكاسات السلبية لذلك؟، ومَنْ يتحمّل المسؤولية بين بعثة لبنان الدائمة لدى الأُمم المُتحدة أو وزارة الخارجية اللبنانية أو أي مسؤول؟
هذا علماً بأنّ القرار السابق الذي حملَ الرقم 2591، صدر بتاريخ 30 آب/أغسطس 2021، تضمّن للمرّة الأولى طلب مجلس الأمن من “اليونيفل” “اتخاذ تدابير مُؤقتة وخاصة لدعم القوّات المُسلّحة اللبنانية بموادٍ غير فتاكة مثل (الغذاء والوقود والأدوية)، والدعم اللوجستي لمُدة 6 أشهر.
وسيتم ذلك، في حدود الموارد المُتاحة، وبما يتوافق مع سياسة العناية الواجبة في مجال حُقوق الإنسان التابعة للأُمم المُتّحدة”.وفي قراره السابق الذي حمل الرقم 2538، وصدر في 28 آب/أغسطس 2020، وتضمّن خفض الحد الأقصى لأفراد قوّات “اليونيفل” من 15 ألف إلى 13 ألف، لكن، هذا لم يُؤثّر كثيراً على دور قوّات “اليونيفل”، التي يبلغُ عديدها أقل من 10 آلاف، ولا شكَ في أنّ قرار مجلس الأمن بالتجديد لقوّات “اليونيفل” قد صدر، وبالتعديل الجديد، ولا يُمكن للبنان إلغاء ذلك، مع أهمية وضرورة التنبُّه إليه في العام المُقبل.
الجهد يجب أنْ يتركّز الآن مع قائد قوّات الطوارئ الدولية الإسباني أرولدو لازارو، لضمان استمرار التعاون والتنسيق ما بين قوّات “اليونيفل” والجيش اللبناني، وعدم المُغامرة بالمُغالاة بفائض القوّة، الذي مُنِحَ إلى قوّات “اليونيفل”، فقد أثبتت التجارب السابقة الحاجة إلى التنسيق ما بين لبنان وقوّات “اليونيفل”، تجنّباً لأي إشكالات قد تحصل، خاصة مع الأهالي الذين اصطدموا مراراً وتكراراً لدى مُحاولة قوّات “اليونيفل” الدخول إلى مناطق وأحياء، لا يرون أنّ هناك مُبرّراً لوصولها إليها!
كما أنّ هذا التعديل يُزعج “حزب الله”، الذي يرى أنّ تغيير مُهمّة “اليونيفل” يستهدفه بالدرجة الأولى، خاصة مع المُطالبات المُلحّة من قِبل قوّات الطوارئ بالدخول إلى مناطق تزعمُ قوّات الاحتلال الإسرائيلي بأنّها تحتوي أنفاقاً ومخازن أسلحة وصواريخ تتبع الحزب في مناطق الجنوب، تحت مُسمّى محميات بيئية!.
تغيير مُهمّة “اليونيفل” في هذا التوقيت، مع الحديث عن “شد الحبال”، وعدم إنجاز ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، بما يتعلّق بالثروة الغازية والنفطية ما بين لبنان والأراضي الفلسطينية المُحتلة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، والخشية من احتمالات وقوع حرب، كلّها عوامل تطرح تساؤلات عن دوافع وأهداف وتوقيت تغيير مُهمّة “اليونيفل” الجديدة؟!