جاء في “الجمهورية”
يتحضّر المجلس النيابي ليدخل اولى المحطات التي سيظهر فيها امام الرأي العام، من خلال جلسة مناقشة واقرار مشروع موازنة العام 2022، التي ستنقل وقائعها مباشرة عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة.
وكما هو متوقع، فإنّ الشهية النيابية، وخصوصا للنواب الجدد، مفتوحة على مصراعيها للخطابة في جلسة الموازنة، بحيث تجاوز عدد طالبي الكلام حتى ما قبل انتهاء الدوام الرسمي امس العشرين نائباً، وهذا معناه ان المجلس امام جلسة مديدة، وتبعاً لصورة المواقف النيابية التي تجلت منذ الجلسة الاولى للمجلس الجديد، فإنه من المرجّح ان يشهد المجلس جلسة فيها الكثير من الصخب، حول الكثير من القضايا والامور والملفات الخلافية في البلد.
واذا كانت المداخلات النيابية، وكما هو معتاد في مثل هذه الجلسات، سياسية بامتياز، جوهرها الاساس مخاطبة الجمهور وتسجيل مواقف واستعراضات، الا انّ المحك هو كيفية مقاربة مشروع الموازنة المُحاط بأكثر من علامة استفهام، وتشكيك بقدرتها على أن تلبي متطلبات البلد وحاجاته.
وبحسب مصادر نيابية فإنّ مشروع الموازنة الحالية هو الاكثر حساسية لا بل الاكثر خطورة في تاريخ الموازنات، ذلك انه يأتي في ظل ازمة متفاقمة على كل المستويات، ومُستعصية على كل الحلول والعلاجات. وبالتالي، على ارقامها يتحدّد المسار اما نحو تخفيف الاعباء على المواطنين واما زيادتها وإرهاقهم بما لا يستطيعون ان يتحمّلوه.
وقالت المصادر لـ»الجمهورية»: من حيث المبدأ فإنّ وجود موازنة افضل بكثير للبلد من عدم وجود موازنة واستمرار الصرف على القاعدة الاثني عشرية، ولكن مع الموازنة المطروحة للاقرار في الجلسة، فنحن امام صيغة أقلّ ما يقال فيها انها موازنة «فالج لا تعالج»، اي موازنة غير متوازنة على الاطلاق، حيث انها تتضمن الشيء ونقيضه في آن معاً. ففي الشق القانوني ثمة امور مهمة جدا، واما الاساس انها تحوي تعقيدات كبيرة جدا، لا سيما لناحية عجزها على المواءَمة بين الايرادات والنفقات. واخطر ما فيها انها تزيد الاعباء على المواطن، وتفتقد الى التقديمات التي تمكّنه من ان يتحمل اعباءها.
واشارت المصادر الى ان السلطة مستعجلة على اقرار الموازنة، باعتبارها خطوة لا بد منها لانتظام الوضع المالي، الا ان هذا الاستعجال لا يعني القبول بتمرير موازنة أعباء كبيرة مرهقة للمواطنين، من دون ان تقدم لهم شيئاً في المقابل.
وتلفت المصادر عينها الى ان اللجنة النيابية للمال والموازنة لا تستطيع ان تقول انها انجزت الموازنة، بل انه في النقاش الذي ساد جلساتها، تَبدّت بعض الامور الخلافية التي لم يتم حسمها، وبالتالي ما حصل هو انّ اللجنة أحالت ما أقرّته من بنود في مشروع الموازنة، اضافة الى المواد الخلافية التي لم تحسمها، على الهيئة العامة، وهو امر يُنذر بنقاشات طويلة يصعب معها بت هذه المواد.
واشارت المصادر الى ان المشكلة الاساس تتبدّى في احتساب الدولار الجمركي، سواء على 8 آلاف ليرة او 12 الف ليرة او 20 الف ليرة، فكلها ترتّب اعباء على المواطنين، والسؤال الذي تصعب الاجابة عنه هو: لأيّ من هذه النسب ان اعتمدت آثارها واعباؤها، كيف يمكن ان تُسدّ وتعوّض، وهل يمكن لأي من هذه النسب والزيادات ان تسري بسلاسة وتحقق الغاية المرجوة منها بإنعاش الوضع الاقتصادي والمالي فيما رواتب الموظفين في كل القطاعات على ما هي مِن تدنٍ وذوبان وفقدان شبه كامل لقيمتها؟
وتخلص المصادر الى القول: نحن امام ضرورة ان يزاد الدولار الجمركي، بما يساعد على بعض الانفراج المالي وزيادة ايرادات الدولة ومداخيلها، ولكن ليس على النحو الذي يودي بالمواطن ويؤدي الى انفجار اجتماعي شامل. وفي الخلاصة نحن امام معضلة، فالموازنة مطلوب اقرارها، فإن لم تقر مصيبة، وان اقرّت كما هي فالمصيبة اكبر.