كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
تستمر المحاولات لاقتناص أي فرصة ممكنة من أجل معالجة قضية النازحين السوريين في لبنان، ولو بالتقسيط، فهل من إمكانية واقعية للنجاح؟ ام انّ الضوء الأخضر الخارجي لإقفال هذا الملف وتخفيف العتمة في النفق اللبناني المظلم لم يُعط بعد؟
تحرّكت الدولة اخيراً على خطين، واحد دولي عبر الرسالة التي وجّهها الرئيس نجيب ميقاتي إلى الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، وآخر داخلي تمثل في إطلاق مسارات عدة، من بينها تكليف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بالتنسيق مع السلطات السورية لتأمين عودة النازحين، واتخاذ الأمن العام تدابير عملانية لتزخيم خط العودة البارد، سواء عبر التأكيد انّ كل سوري دخل خلسة إلى لبنان يستطيع تسوية وضعه القانوني للعودة إلى بلاده من دون توقيفه، اوعبر تحديد مراكز لتسجيل أسماء النازحين الذين يريدون الرجوع إلى سوريا طوعاً. كذلك فإنّ وزارات الخارجية والمهجرين والشؤون الاجتماعية والعدل تحاول، كل ضمن نطاقه، تحريك المياه الراكدة في بركة هذا الملف.
وفي هذا السياق، عُلم انّ وزارة العدل تحضّر دراسة قانونية حول إمكان تسليم عدد من المحكومين السوريين في السجون اللبنانية إلى دمشق، تطبيقاً لاتفاقيات موقّعة معها في هذا الإطار، خصوصاً انّه تبين انّ نحو 60 في المئة من نزلاء السجون هم من السوريين، على أن يستكمل من يُفترض تسليمهم عقوبتهم في سوريا.
لكن، وبمعزل عن هذا التفصيل، فإنّ ما يُخشى منه هو انّ تظلّ هذه الحركة الرسمية في أكثر من اتجاه بلا بركة، ما دامت أنّها تتمّ تحت شعار «العودة الطوعية»، وما دام انّ المجتمع الدولي ليس متجاوباً مع المسعى اللبناني ربطاً بمصالحه السياسية التي تدفعه إلى عدم تسهيل عودة النازحين في ظلّ نظام الرئيس السوري بشار الاسد، لئلا يكون هذا التسهيل اعترافاً بانتصار الأسد، وفق تفسير البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي للموقف الدولي السلبي.
تلك السلبية المتمادية عكسها في بيروت ممثل «مفوضية اللاجئين» التابعة للأمم المتحدة أياكي إيتو، الذي بدا من خلال سلوكه ومواقفه متحاملاً على لبنان وغير منصف في مقارباته، ما دفع المسؤولين إلى اتخاذ قرار بمقاطعته وعدم استقباله، في إجراء يوحي أنّ هذا المسؤول بات غير مرغوب فيه ولا مرحّب به، خصوصاً بعد بيان شهير صدر عن مفوضية اللاجئين عقب التوتر الذي حصل على الأرض بين بعض اللبنانيين والسوريين خلال أزمة انقطاع الخبز، إذ دعت حينها «السلطات اللبنانية إلى ضمان سيادة القانون والوقف الفوري للعنف والتمييز ضدّ المستهدَفين المقيمين داخل الأراضي اللبنانية»، معربة عن «قلقها الشديد إزاء الممارسات التقييدية والتدابير التمييزية ضد اللاجئين!».
إمتعض المسؤولون اللبنانيون بشدة آنذاك من البيان المسيء إلى الدولة والمتجاهل لما تحمّلته من أعباء هائلة وأكلاف ضخمة جراء استضافة عدد كبير من النازحين منذ عام 2011، الأمر الذي رفع منسوب التوتر مع إيتو، إلى درجة انّ السفارة الأميركية تدخّلت في محاولة لاحتوائه، بينما طلبت الجهات الرسمية المعنية سحب البيان بالدرجة الأولى. وبالفعل بادرت المفوضية إلى سحبه، تحت الضغط، من موقعها الإلكتروني، إنما بعد فوات الأوان، ذلك انّه كان قد انتشر إعلامياً وبات قيد التداول.
والأخطر من ذلك كله، هو وجود منحى متزايد لدى المفوضية ومن تمثل، لدمج النازحين على نحو متدرج في المجتمع اللبناني، عبر طرح مشاريع مشبوهة على صعد تربوية واجتماعية وتأهيلية وتنموية، في إشارة إلى انّ الدول المانحة انتقلت إلى تنفيذ الخطة «ب» التي تقضي بدمج النازحين بدل إعادتهم، كما يؤكّد أحد الوزراء.
َوما يزيد في الطين بلة تواطؤ بعض الجمعيات المحلية مع خطة الدول المانحة للدمج، في مقابل مكاسب ضيّقة، ما حدا بوزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار إلى وضع تقرير تضمّن اقتراحات للجم هذا الخطر.
والمعروف انّ مفوضية اللاجئين الموجودة على الاراضي اللبنانية يجب أن تعمل بالتوافق بينها وبين الدولة، وتحت سقف معايير تحدّدها وزارة الخارجية، لكن ما جرى هو انّ المفوضية فتحت على حسابها خارج إرادة السلطات الرسمية والقوانين المرعية الإجراء، وراحت تتفلّت تباعاً من الضوابط الأساسية والأعراف الديبلوماسية التي ينبغي أن تحكم تحرّكها.
ومع تفاقم مخالفات أياكي إيتو، اتخذ كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء المعنيون واللواء ابراهيم، قراراً مشتركاً بالامتناع عن استقباله اعتراضاً على تجاوزاته.
ولكن، هل وصلت الرسالة إلى حيث ينبغي أن تصل في الأروقة الدولية، ام سيتمّ تجاهلها وبالتالي الاستمرار في سياسة الأمر الواقع؟