كتبت رلى ابراهيم في “الأخبار”:
لم يكد مشروع موازنة 2020 يحط في الجلسة العامة لمجلس النواب بعد تأخير دام 9 أشهر، حتى طار مجدّداً بعد انسحاب النواب «التغييريين» ولحاق كل من حزبيّ الكتائب والقوات بهم، ما أدى إلى إفقاد الجلسة النصاب القانوني. رئيس مجلس النواب نبيه بري وبعض النواب اعتبروا أن ثمة مسعى متعمداً منذ البداية لتطيير النصاب، إلا أن مما لا شكّ فيه أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمّن حجة كافية لهؤلاء للانسحاب. حصل ذلك بعد إطاحته بكل الأرقام الواردة في المشروع الحكومي، والتي درستها لجنة المال على مدى 6 أشهر، إذ قرّر في جلسة إقرار الموازنة التلاعب بأرقام النفقات والإيرادات، أي المسألتين الأهم في أي موازنة. فاقترح بداية أن يُحتسب الدولار الجمركي على أساس سعر يوازي نصف قيمة دولار صيرفة ليبقى متحركاً مع تحرك الدولار، ثم عاد وطلب أن تُحدد قيمة الدولار الجمركي بـ15 ألف ليرة (حُددت النفقات في مشروع الموازنة بـ37.8 ألف مليار ليرة مقابل 12 ألفاً للدولار الجمركي).
علماً أن اقتراحات وزير المال يوسف خليل حول سعر صرف الدولار، والتي انتظرتها لجنة المال لأشهر، اقتصرت على تحديد الدولار ما بين 12 و14 ألف ليرة، من دون أن تحدّد لائحة السلع المشمولة بهذا السعر، والاستثناءات المفترض تحييدها خصوصاً أن الاستيراد بلغ هذا العام وفق النواب 18 مليار دولار أي كما كان قبل الأزمة.
ولم يكتف ميقاتي بكسر التضامن الوزاري، بل طلب أيضاً منح وزير المال صلاحيات استثنائية ليتمكن بعد شهر أو أكثر من تعديل قيمة الدولار كما يحلو له. رغم ذلك، برر بعض النواب لميقاتي هذه الزيادة بأن سعر صرف الدولار في السوق السوداء يرتفع يومياً ولم يعد يتناسب مع ما نوقش سابقاً، وأن ثمة حاجة لرفع الرسم الجمركي. ورأى النائب علي حسن خليل في مداخلته أن «النقاش حول قيمة الدولار الجمركي يردنا إلى رمي المسؤولية على مجلس النواب، بينما هي من مسؤوليات الحكومة. لذلك المطلوب من رئيس الحكومة أن يُرفق اقتراحه بتحديد رقم للواردات».
لكن ميقاتي لم يقدّم أي رقم جديد للواردات ينجم عن اقتراحه رفع سعر الدولار الجمركي، ولا بما يتعلق بالنفقات الإضافية بعد الموافقة على طلب لجنة المال زيادة رواتب القطاع العام والعسكريين والمتعاقدين والمتقاعدين ثلاثة أضعاف بدلاً من ضعفين (أقرّ هذا التعديل بالتصويت خلال الجلسة)، أو بزيادة 500 مليار ليرة على موازنة الجامعة اللبنانية، أي من 365 مليار إلى 865 مليار ليرة، بالإضافة إلى 50 مليار ليرة لصندوق التعاضد الخاص بها. كذلك لم يقدّم رئيس الحكومة أي إجابة على سؤال النائب إبراهيم كنعان حول مصدر تمويل الزيادات في ظل العجز المالي البالغ 13 ألف مليار في حال اعتماد سعر 12 ألف ليرة للدولار الجمركي، وحول الغاية من الموازنة في حال منح وزير المال هذه الصلاحية الاستثنائية، إذ «عندها ستصبح موازنة من دون سقف ومن دون رقابة».
في موازاة هذا النقاش، كانت قد بدأت النائبة بولا يعقوبيان جولة على نواب الكتائب والقوات للانسحاب من الجلسة وربطها بخطة التعافي المالي وقالت لرئيس مجلس النواب إن عليه إعادة الموازنة إلى الحكومة وعدم إقرارها إلا بالتوازي مع القوانين الإصلاحية الأخرى. وسبقها توجه النائب إبراهيم منيمنة إلى مقعد بري ليطلب منه تأجيل الجلسة إلى حين مناقشة خطة التعافي، وهو ما رفضه الأخير مشيراً إلى تعذّر هذا الأمر. ولما مشى «التغييريون» نحو الباب للانسحاب بعد اعتراضهم على التصديق على المواد «عشوائياً»، سبقهم نواب القوات إلى الخارج وتم تطيير النصاب وفضّ الجلسة من دون الانتظار لردها بالأصول. إذ كان سيلي التصويت على المواد بشكل منفرد، التصويت على قانون الموازنة كاملاً. وقد استفاد هؤلاء من عدم حضور بعض نواب حزب الله وحركة أمل وانشغال نواب الحزب الاشتراكي بزفاف ابنة النائب السابق وليد جنبلاط لإنجاح هذا التحرك بعد مبادرتهم إلى تعداد الحاضرين. رغم أنه بدا من كل الكلمات التي سبقت الإقرار أن الغالبية غير موافقة على أرقام الموازنة ولا على الإضافات التي زادها ميقاتي فجأة عليها من دون أي دراسة علمية.
وكان النائب جورج عدوان، قد وجّه كلامه لميقاتي، قبل الانسحاب من الجلسة، مشيراً إلى أنه «لا يجوز تعديل الأرقام بعد عمل لجنة المال على الموازنة 6 أشهر والطلب منا أن نوقع لك على بياض على الدولار الجمركي». هكذا، أعلن بري تأجيل جلسة دراسة وإقرار الموازنة إلى 26 أيلول المقبل، حيث من المفترض في هذه الفترة الفاصلة أن ترسل الحكومة الأرقام المطلوبة إلى مجلس النواب في حال إضفاء أي تعديل على المشروع الأساسي.