كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
تصاعد مؤشرات تأليف الحكومة يعيد توجيه الأنظار نحو ما يريده حزب الله في المرحلة التي تسبق انتهاء العهد، ويضيء على ما بين حزب الله والتيار الوطني عشية 31 تشرين الأول.
لم يكن حزب الله بعيداً من إبلاغ مراجعيه أنه مع تشكيل حكومة أو تعويم الحالية حتى يخفّف بعض الأثقال عليه والدخول في متاهات اجتهادات دستورية حول حكومة تصريف الأعمال. فتعويم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بغضّ النظر عن الإخراج الذي سيعتمد، يبقى أهون الشرور المطروحة على الطاولة، في ضوء احتمالات الفراغ الرئاسي.
توازياً مع تريث حزب الله في إعطاء الضوء الأخضر، كان التيار الوطني يبالغ في رفع سقف التفاوض مع ميقاتي ومع الحزب على السواء. لم يدرك التيار دقة التوقيت الذي يفاوض فيه. فنقاش الحكومة يتم على نار نصائح فرنسية وصلت إلى لبنان بعد جولة استكشاف فرنسية – سعودية، حول حقيقة الموقف السعودي من الوضع اللبناني وانتخابات رئاسة الجمهورية. وهي نصائح تزكي في الوقت الراهن تعويم الحكومة إذا فشلت مفاوضات رئاسة الجمهورية، ويضاف إليها موقف الرياض التي أبلغت أنها معنية باستحقاق دستوري مع الحفاظ على اتفاق الطائف، وغير مهتمة بانتخابات رئاسة الجمهورية لصالح خصومها مهما كانت الضغوط داخلية أو خارجية، متفادية الدخول في أسماء مرشحين ودعمهم. لكنها حكماً لن تقدم أي مساعدات تصب في خانة تحسين الوضع الاقتصادي إلا بحسب هوية الرئيس العتيد واتجاهه السياسي.
كما يتم الحوار الحكومي على نار الوضع الداخلي المهدد بالانهيار ويحتاج إلى أي طريقة لتهدئة التوتر، ولا يبدو أن بقاء الحكومة على ما هي عليه سيسهم في ذلك، وأي حكومة، ستؤلف أو تعوم، تخفف ولو شكلياً من الضغط الداخلي والخارجي. وبالنسبة إلى الحزب، فإن الحوار الحكومي يتم في لحظة محلية لم يبق فيها سوى الحزب حليفاً للعهد والتيار بالمعنى المباشر. فبكركي والقوى المسيحية المعارضة لا تمانع في حكومة ميقاتي الحالية أو المستجدة المطروحة، لكن من دون إعطاء العهد الذي تنتهي ولايته حصة الأسد فيها. والقوى السنية المعارضة تضغط بدورها على ميقاتي في عدم تلبية شروط التيار الوطني والعهد. وحتى يحين موعد عودة ميقاتي من نيويورك، يكون لقاء دار الفتوى (ومن سيحضر من النواب السنة على اختلاف اتجاهاتهم السياسية) قد استبق الخطوات المنتظرة، وقال كلمته في ملف الحكومة والاستحقاق الرئاسي. أما الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فيتشاركان الهم نفسه ويعدّان الأيام الفاصلة عن «قص» أجنحة التيار. كل ذلك بدا في الأيام الأخيرة وكأنه أعطى الحزب دوافع منطقية لحث المعنيين على الإفراج عن الحكومة.
وفي حين لا يعول بعض المشككين باحتمال أن تبصر الحكومة النور على موقف الحزب في احتمال التخلي عن عون في أيام رئاسته الأخيرة، وانعكاس ذلك على العلاقة بينهما، تتحدث أجواء حكومية عن واقع مختلف. فالحزب بات مؤيداً وضاغطاً لتأليف الحكومة، وهو أظهر أنه ليس مع الشروط التي رفعها التيار، والحكومة لن تغطي فكرة وزراء دولة يمارسون دوراً سياسياً، والتسريبات المتتالية يعرف المعنيون أنها كانت مقصودة بهدف رفع ثمن التسوية الحكومية. والحزب بات حذراً من مغبة التهويل ليس باجتهادات دستورية فحسب إنما بخطوات يفهم منها العودة إلى ما قبل 1990. والكلام هنا قد يلحظ تمسكاً باتفاق الطائف على عكس ما كانت عليه مواقف الحزب من الاتفاق. لكن الحزب لا يريد الرجوع إلى الوراء والقيام حالياً بخطوات تتعلق بالطائف في غير توقيته، لأن ذلك يفتح أبواب صراعات داخلية قد تنفجر في وجه الجميع في لحظة حرجة. والحزب الذي وفى بتعهداته سابقاً لعون، لم يعط تعهدات حالية للتيار لا برئاسة الجمهورية ولا بموضوع الحكومة، من دون التخلي عن الحوار بينهما.
لكن حساباته قد لا تتقاطع وسط ضغوط بري والقوى السنية المعارضة والموقف المسيحي المعارض، مع حسابات التيار، لأن ليست للحزب مصلحة اليوم بأن يكون في مواجهة الجميع، ولا سيما مع القوى السنية، من أجل شروط وزارية تبدو تعجيزية، ولا تقدم ولا تؤخر طالما أن الكل يعترف بدوره في الحكومة، وفي الواقع الداخلي. لذا يمكن أن تكون الأيام المقبلة عنصراً مساعداً في إرسال رسائل واضحة حول الحكومة الجديدة وما هو مطلوب منها، وما هو مطلوب من الذين سينضوون فيها مباشرة أو غير مباشرة. وحينها يصبح موقف التيار أكثر حراجة لأن أي خطوة مقابلة لا تسهل ولادة الحكومة، ستكون عاملاً مؤثراً في العلاقة مع الحزب وليس مع رئيس الحكومة وحده. والتيار عادة يصارع حتى اللحظات الأخيرة كما حصل في مراحل شد كباش سابقة، لكنه يعرف أن هناك سقفاً زمنياً لن يتخطاه. والأرجح أنه لن يفعل كذلك هذه المرة.