في الدستور اللبناني آلية لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ولو بصعوبة بالغة وشبه استحالة منعتا محاكمة أي رئيس أو وزير حتى اليوم.ورئيس الجمهورية في لبنان هو المسؤول الوحيد الذي يُقسم على الدستور، وهذا القسم يضعه تحت الرقابة الدائمة أقله لناحية الحفاظ على الدستور وعدم انتهاكه، وبالتالي يوجب محاكمته في حال انتهاك الدستور أو الخيانة العظمى لا سمح الله.
في حال رئيس الجمهورية التي قاربت ولايته على انتهائها، العماد ميشال عون، تكفي العودة إلى تصاريحه في الأسابيع الأخيرة للتيقن من إعلانه الرغبة في انتهاك الدستور، سواء لناحية الاجتهادات الدستورية التي يقدّمها، والمخالفة للدستور إنطلاقاً من أن الدستور أناط بمجلس النواب وحيداً مهمة تفسير الدستور، وسواء لناحية الإيحاء برفض مغادرة قصر بعبدا عند انتهاء ولايته، بما يشكل مخالفة دستورية فاقعة وفظّة لم يجرؤ عليها أي رئيس سبقه. وكلام الرئيس عون عن أنه يترك القصر “في حال كان يوم 31 تشرين الأول يوماً طبيعياً”، او تلويحه بأنه لن يقبل بأن يسلّم صلاحياته إلى حكومة تصريف أعمال في حين أن الدستور صريح جداً لناحية أن رئيس الجمهورية المنتهية ولايته يغادر القصر الجمهوري من دون إعطائه أي حق في نقاش مرحلة ما بعد انتهاء ولايته أو النقاش في الصلاحيات الدستورية.
ووصل الأمر بالرئيس ميشال عون إلى التصريح أمام وفد سفراء الاتحاد الأوروبي بأنه “يعمل على تشكيل حكومة مكتملة الصلاحيات”، في حين أن الدستور أناط مهمة تشكيل الحكومة بالرئيس المكلف وبالتشاور مع رئيس الجمهورية، بما يعني أن ليس من مسؤولية رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة، لا بل إن رئيس الجمهورية يلتزم بنتائج الاستشارات النيابية المُلزمة له لتسمية رئيس مكلّف بتشكيل الحكومة، والرئيس المكلّف هو من يشكّل الحكومة ويخضع للمساءلة والمحاسبة أمام مجلس النواب بعد أن تنال الحكومة ثقة هذا المجلس.
ولن ننسى طبعاً انتهاك رئيس الجمهورية الفاضح للدستور من خلال ضرب استقلالية المؤسسات والتدخل المباشر في عمل القضاء، سواء من خلال تعطيل التشكيلات القضائية، وسواء من خلال اتصالاته الدائمة بعدد من القضاة للضغط عليهم لتنفيذ أجندته السياسية خلافاً للدستور وللقوانين. فرئيس الجمهورية يجب أن يسهر على استقلالية عمل القضاء لا على التدخل فيه في قضايا وملفات باتت مفضوحة ومكشوفة!
ما تقدّم يجعل رئيس الجمهورية الحالي، والذي تنتهي ولايته بعد أقل من 40 يوماً، في موقع المخالف للدستور بشكل صريح، والأسوأ أنه يستقوي بتحالفاته السياسية، وتحالفه مع حملة السلاح غير الشرعي، ليبقى بعيداً عن أي مساءلة.
وفي هذا الإطار لا بدّ من البحث عن نواب إصلاحيين بالفعل، يجرؤون على القيام بواجباتهم الرقابية، ليتحدوا كل التقليد القديم ولو لمرة واحدة، فيقدموا عريضة مطالبة بمحاكمة الرئيس ميشال عون بتهمة انتهاك الدستور.
ليس مهماً أن تنجح هذه العريضة التي تحتاج إلى ثلثي أصوات مجلس النواب لتتم إحالة رئيس الجمهورية أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهذه مهمة مستحيلة في ظل المعادلات والتوازنات القائمة. لكن من المفيد بمكان في زمن الحديث عن الإصلاح والمحاسبة والمساءلة أن يتجرّأ أحد ويقدّم عريضة تطالب بمحاكمة رئيس الجمهورية.
الأمر بات يتعلّق بما تبقّى من الأمل بلبنان. الأمر بات يتعلق بالتجرّؤ لكسر المحظور. الأمر بات يتعلق بالتأكيد للبنانيين أن بين نوابهم من يرفض الخضوع والمسايرة وإجراء الحسابات السياسية التقليدية التي أوصلتنا إلى جهنم.
هلمّوا وتقدموا بعريضة تطالب بمحاكمة رئيس الجمهورية ميشال عون. لا همّ إن تمت محاكمته أو لا. لا همّ إن نجحت العريضة أم لا. إنها عريضة للبنان المستقبل وللتاريخ الذي سيحاكم عهد جهنم ورئيسه مهما طال الزمن…