كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
توقف المراقبون امام الانفراجات المتوقعة على اكثر من مستوى، فالحديث عن تشكيل الحكومة الجديدة فور عودة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من نيويورك يوازيه الاصرار على قطع الامتار الاخيرة للطريق المؤدي الى اتفاق الترسيم. وهو ما يوحي بالتوأمة بين الاستحقاقين، فلا ولادة لاتفاق الترسيم من دون حكومة كاملة المواصفات الدستورية تترجمه مع رئيس الجمهورية. فهل تفتح هذه المسارات الطريق الى الاستحقاق الرئاسي؟
في انتظار ان يسلّم الوسيط الاميركي في مفاوضات الترسيم عاموس هوكشتاين النصوص التي تترجم عروضه الاخيرة التي نقلها من اسرائيل معطوفة على مجموعة ملاحظاته الشخصية، يمكن الحديث بدقة عن المواعيد المرتقبة التي تتحدث عن المحطات المقبلة المؤدية الى ترجمة اتفاق الترسيم الذي تم التوصل اليه بين الأطراف المعنية في الساعات القليلة الماضية إذا اكتملت فصوله كما هو متوقع.
ومَرد هذه الاجواء التفاؤلية يعود الى ما تسرّب من مجموعة اللقاءات التي عقدت في الأمم المتحدة نتيجة المفاوضات المباشرة التي أجراها هوكشتاين في نيويورك على هامش اجتماعات الدورة السابعة والسبعين للجمعية العمومية للامم المتحدة بين مسؤولين من الوفدين اللبناني والاسرائيلي الذين استدعوا الى مقر المنظمة الدولية، والتي تحولت طرفا رابعا في المفاوضات الثلاثية وتجاوزت ما هو مطلوب منها حتى اليوم باستضافة المفاوضات وتقديمها مقرّها مسرحاً لها برعاية الوسيط الاميركي.
وعليه، قالت المصادر المعنية انه لم يكن من بد لإعادة اشراك الامم المتحدة في المفاوضات لتحتلّ موقعها على الطاولة الى جانب الوفدين اللبناني والاسرائيلي والوسيط الأميركي نتيجة تطور المفاوضات في شأن «خط الطفافات» وطرح الجانب الإسرائيلي صيغة «المنطقة العازلة» على جانبيه، والترتيبات التي تم التوصل اليها بين الطرفين، والتي فرضت توسيع مهمات قوات «اليونيفيل» العاملة في الجنوب لإدارة المنطقة التي ستكون في عهدتها وفق صيغة تحدثت عن «قواعد سلوك» إضافية لا بد من البَت بها في الامم المتحدة قبل الانتقال الى مسرح عملياتها في الجنوب.
على هذه الخلفيات، قالت المصادر التي سبق لها أن تعاطَت مع الطرح الإسرائيلي القديم ـ الجديد في شأن «المنطقة العازلة» التي سَعت اسرائيل الى تحقيقها وتوفير الاعتراف بوجودها منذ عقدين من الزمن منذ الانسحاب من الاراضي اللبنانية في 25 ايار 2000 وتركها خط الطفافات الذي نَصبته في المنطقة منذ ذلك الحين ورفض البحث في مصيره طوال الفترة السابقة قبل بلوغ مرحلة الترسيم النهائية.
ويضيف العارفون انه من المستغرب ان يثير الاقتراح الخاص بـ»المنطقة العازلة» الجانب اللبناني او يفاجئه، فهو مطروح على من سبق من أعضاء الفريق المفاوض الحالي منذ فترة طويلة. وخصوصا في الفترة التي تناولت ترسيم «الخط الأزرق» والحدود البرية وكلما ارتبط البحث في النقطة «B1» على شاطئ الناقورة برا وبحرا. وان دخلوا في التفاصيل يستذكرون مرحلة المفاوضات لأكثر من ثماني جلسات متتالية عام 2009، والتي تركزت حول ترسيم «الخط الأزرق» واشترط الجانب اللبناني في حينه سحب «خط الطفافات» من المنطقة وايداعه حيث يجب ان يكون بما يتوافق والخط المؤدي الى النقطة 23، قبل البحث في مصيره لأن ما هو قائم في حينه يشكل اعتداء فاضحاً على المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان ولا يتناسب نشره مع الخط الذي يجب ان يحتسب انطلاقاً من النقطة «B1» وليمتد منها الى مسافة خمسة كيلومترات قبل ان يسلك الخط بما تقتضيه عملية الترسيم ما بين المنطقتين الاقتصاديتين اللبنانية والفلسطينية المحتلة.
ففي تلك المرحلة طرحت فكرة وضع «المنطقة العازلة» في عهدة قوات «اليونيفيل»، ولمّا توسّع الامر للبحث في من يحق له او يمكنه الدخول اليها من طرفي الخلاف طرحت أكثر من فكرة انطلاقاً من النظر الى صلاحيات الأمم المتحدة ومهماتها، والتي لا يحق لها بموجب القرار 1701 التعاطي في المنطقة البحرية وعملية الترسيم تحديدا. فقيل ان كان الجانب اللبناني يمكنه الدخول اليها، فلا حاجة عندها لتعديل قواعد السلوك في مجلس الأمن ويمكن اعادة النظر فيها بقرارات محلية. فالمنطقة البحرية المحكي عنها لبنانية وليست من المناطق المتنازع عليها، وإن مهمة القوة الدولية عند انتدابها تَتمثّل في مساعدة الجيش وتسهيل سيطرته ومعه القوى اللبنانية الشرعية على أراضيها واستعادة سيادته عليها. وان كانت ستكون بتصرف الطرفين او منعهما معاً، فيقتضي تعديل القرار لتوصيفها مجددا. مع الإشارة الى ان إسرائيل حاولت جعلها منطقة محظورة على الطرفين ولم يتم التوافق النهائي على اي صيغة.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، اكتسب تحويل مقر الأمم المتحدة حيث غرفة العمليات الخاصة بالقوات الدولية مقراً لمفاوضات الساعات الأخيرة، أهمية واضحة. فما هو مطروح لا يبت به من دون ان تكون المنظمة طرفا فيها، ولذلك ينبغي تقصّي الحقائق مما يمكن ان تنتهي اليه المفاوضات الجارية هناك. وهو امر لن يطول الكشف عنه، فإن كانت المهل المحكي عنها والخطوات اللاحقة مستعجلة الى هذه الدرجة فلن تنقضي ايام قليلة إلا وتظهر المعطيات الجديدة ليبنى على الجديد مقتضاه.
وطالما ان المفاوضات قد بلغت هذه المرحلة المتقدمة كما تناقلت الأنباء الايجابية نفسها من بيروت وتل أبيب ونيويورك، فمن المفترض ان تكون الطريق الى تشكيل الحكومة قد فتحت على مصراعيها وانّ مهد ولادتها بات نهائياً ومحسوماً. فإن كان الدستور قد منح رئيس الجمهورية صلاحية متابعة الاتفاقيات الدولية وتوقيعها، فإنه لا يمكنه رسم نهايتها من دون البت بها في مجلس الوزراء لتكتسب صيغتها وتستحق مفاعيلها النهائية. ولذلك تبدو الخطوة باستعجال تشكيلها من ضمن الرعاية الدولية، وكأنها خطوة لا بد منها لملاقاة التقدم في المفاوضات لترجمتها قبل اي استحقاق آخر. فالمعلومات الواردة من واشنطن تُناقض كل ما تسرّب سابقاً وخصوصاً عند القول انّ التفاهم على الترسيم يجب ان تنجزه حكومة العدو قبل انتخابات الكنيست. فهي خطوة يتطلبها الحلف بين رئيس الحكومة يائير لابيد ووزير دفاعه بيني غانتس لإعطائه دفعا انتخابيا قويا يعزّز قدرتهما على خوض الانتخابات في مواجهة المعارضة التي يقودها بنيامين نتنياهو في ظروف هي الفضلى. في وقت يبحث فيه رئيس الجمهورية ميشال عون عن إنجاز يسبق نهاية الولاية، فكلما تناول هذا الموضوع يربطه بنهايتها وضرورة إقفال الملف قبل مغادرته قصر بعبدا.
وعليه، قيل في نهاية استعراض هذه المؤشرات في الكواليس الديبلوماسية، ان تشكيل الحكومة في هذا التوقيت يُعدّ حاجة ماسة لوجودها بكل مواصفاتها الدستورية من اجل استكمال مسيرة مفاوضات الترسيم، وهو هدف يتقدّم على ما عداه خصوصاً ان قيل انها من اجل إدارة مرحلة الشغور الرئاسي. وكل ذلك مطروح في ظل سؤال وجيه طرح مجددا لمعرفة ما إذا كانت ستفتح التوأمة بين الإستحقاقين الترسيمي والحكومي من «بطن واحد»، تظلله الرعاية الدولية والاميركية والأممية، الأبواب أمام الاستحقاق الرئاسي. فيستحق الشهر الأخير من الولاية ان ينال صفة «شهر الانفراجات» المتوقعة على اكثر من مستوى.