كتبت نعمة جعجع في “اللواء”:
يستأنف المجلس النيابي اليوم مناقشة الموازنة العامة للعام 2022 التي تعجز عن تقديم حلّ منطقي وواقعي بفعل الأزمات المتعدّدة التي تعود أسبابها إلى حالة التنافس السلبي بين السياسييّن بدل التنافس الإيجابي ما أدخل البلاد في أجواء غير مستقرة لا بل متردّية فاستشرت الفوضى وانعدمت السيطرة على النقد والاقتصاد، ليتجرّع المواطن اللبناني الكأس المرّ مرّة جديدة وهو غارق في بحرٍ من الأزمات المالية والاقتصادية.
مفهوم الموازنة العامّة للدولة يرتكز على تساوي إيراداتها من الضرائب والرسوم وإيرادات أملاكها مع نفقاتها العامّة الجارية والاستثمارية، دون وجود عجز بما يؤمّن تحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لكن الموازنة التي يناقشها ممثلو الأمة اليوم تفتقد إلى التوازن بين الواردات الواقعية القابلة للتحصيل والنفقات التي تفوق التقديرات، ناهيك عن غياب السعر المنطقي للعملة الأجنبية مقابل انهيار مأساوي للعملة الوطنية تسبّب في شلّ القطاعات الحيوية بما فيها القطاع العام والسلطة القضائية.
هذا الانعدام في التساوي مردّه فقدان التوازن في الحياة الوطنية بجميع مفاصلها، والمؤسف أن السياسيين لم يغادروا منطقة التشنج التي يلجأون اليها في أزمنة الانتخابات من شدّ العصب إلى رفع السقوف لتحقيق «الأحجام والأوزان» بأي ثمن، وهم يتعامون عن حقيقة الحياة الطبيعية التي تقوم على قاعدة من التوازنات المعقدة التي ينبغي عدم الإخلال بها.
أهمية التوازن نجدها في حكمة الأديب الفيلسوف جلال الدين الرومي الذي عبّر عنها بأنها: «…الحياة عبارة عن توازن بين ما تستحوذ وما تترك…»، فالأمور والأحداث تحصل في أوانها في دوائر الزمن، ولا يمكن لأحد أن يتحكم لوحده بمجريات الأمور ولا أن يستأثر بكل شيء أو يفرض رأيه على الآخر، وهذا ما يوفّر الدروس والفرص للتوازن والتعلّم من خلال قانون السبب والنتيجة.
التوازن هو المقياس الداخلي ولكنه لا يشبه أي مقياس آخر، ولا يجوز أن تطغى كفّة على أخرى فيتجسّد التعادل. كما وتجتمع في ظلّ التوازن الأضداد وتلتقي فيه المواقف المتقابلة كمثل الروحية والمادية، الفردية والجماعية، الماضي والمستقبل، الحقوق والواجبات، الثبات والتغيير.
في المحصلة، لا سبيل للبنان للعودة إلى سابق عهده إلا إذا استفاق سياسيوه واقتنعوا بالعودة إلى التوازن بدءًا بأرقام الموازنة مرورًا بقضايا العيش المشترك.
حكمة التوازن قبل الموازنة