كتب صلاح سلام في “اللواء”:
الرهان على نجاح لقاء النواب السنَّة في دار الفتوى لم يكن خاسراً، بل على العكس تماماً، حيث أفلح مفتي الجمهورية بإبقاء الطروحات والنقاشات ضمن الخط الوطني المرسوم لها، وجاء البيان الصادر عن المجتمعين ليؤكد التمسك بالثوابت الوطنية، والتركيز على القواسم المشتركة، والإبتعاد عن مختلف النقاط الخلافية مع الشريك الآخر في الوطن.
لقد حرص صاحب الدعوة على أن تبقى روح الحكمة والإعتدال والإنفتاح هي المهيمنة على أجواء اللقاء، والإبتعاد عن المزايدات السياسية والخطابات الشعبوية والأساليب التحريضية، سواء عبر كلمته الإفتتاحية، أو من خلال مضمون البيان الصادر في ختام الجلسة النادرة من نوعها في مسار دار الفتوى.
ولا من الإعتراف بأن مبادرة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان قد ساهمت، وإلى حد مقبول كخطوة أولى، في تجاوز حالة التشظي والتشرذم التي ظهرت في صفوف نواب السنّة في الإنتخابات الأخيرة، والتعويض بصورة ما عن غياب الكتلة النيابية السنّية الكبيرة، التي كانت تُميّز الحضور السنّي في المعادلة السياسية الوطنية، وفي مواقع القرار في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
طبعاً هذا لا يعني أن المجتمعين تحوّلوا إلى كتلة نيابية واحدة، لأن المواقف السياسية والحزبية المتباعدة بينهم بقيت على حالها، والمسألة لم تكن موضع بحث أو نقاش، لا من قريب ولا من بعيد.
ويمكن إيجاز النتائج الأولية لهذا اللقاء المميّز بالنقاط التالية:
أولاً: تأكيد قدرة مرجعية دار الفتوى على جمع الشمل، وإعادة ترتيب الصف السنّي في إطار الصيغة الوطنية، سعياً لإصلاح الخلل الحاصل في المعادلة الداخلية، بعد تعليق الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل النشاط السياسي عشية الإنتخابات الأخيرة.
ثانياً: الحرص على عدم حصر مناقشات اللقاء ونتائجه بالوضع السنّي بمعزل عن تداعيات المرحلة المصيرية الدقيقة التي يمر بها الوطن. إلى جانب عدم الخوض في المطالب المحقة للطائفة السنّية، وما أكثرها، وإبقاء الطروحات في الإطار الوطني الشامل.
ثالثاً: تأكيد التمسك بإتفاق الطائف كصيغة ميثاقية تُكرس لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه، وإطاراً جامعاً للوحدة الوطنية، وضامناً للسلم الأهلي، وحافظاً للسيادة والإستقلال.
رابعاً: المطالبة بالعودة إلى الدستور في معالجة الإشكالات والخلافات حول الصلاحيات السلطوية، على قاعدة إحترام مبدأ الفصل بين السلطات، وعدم تجاوز بعض الممارسات، النصوص والحدود الدستورية في إدارة دفة الحكم.
خامساً: التشديد على مكانة رئاسة الجمهورية في النظام اللبناني، وعلى أهمية دور رئيس الجمهورية وصلاحياته الدستورية، وإستطراداً المطالبة بإلحاح ملفت، سواء في كلمة المفتي دريان، أو في البيان الختامي، بإجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، وعدم الإنزلاق من جديد إلى الشغور في منصب رئيس الجمهورية، حرصاً على إنتظام السلطات العامة، ودعماً لمسيرة الإصلاح والإنقاذ. «فرئيس الجمهورية، يقول المفتي دريان، هو رمز للبلاد وللعيش المشترك ، وحامي دستورها…، وهو الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، وهو رأس المؤسسات الدستورية القائمة، ولا ينتظم عملها ولا يتوازن إلا بحضوره».
سادساً: التأكيد على إنتماء لبنان العربي، وعلى دوره في المجموعة العربية، وهو أحد المؤسسين لجامعة الدول العربية، ولطالما كان داعماً وناشطاً في سياسات تعزيز التضامن العربي، وحريصاً في كل العهود الإستقلالية على إقامة أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب. وكان حجم تبادل الزيارات على مستوى الملوك والرؤساء والوفود الوزارية يُجسّد طبيعة العلاقات الممتازة مع الدول العربية. وهذا يعني ترميم العلاقات مع الأشقاء العرب، بما يؤدي إلى عودة لبنان إلى الصف العربي، وعودة العرب إلى لبنان، سيّما وأن لبنان غير قادر على الخروج من أزماته دون المساعدة العربية، وخاصة من الدول الخليجية.
سابعاً: الحرص على عدم الخوض في تفاصيل الإنتخابات الرئاسية، والإكتفاء بالتأكيد على أهمية مواصفات الرئيس المقبل، وفي مقدمتها طبعاً أن يكون محافظاً على ثوابت الطائف والدستور والعيش المشترك وشرعيات لبنان الوطنية والعربية والدولية. والقدرة على إنهاء الإشتباك المصطنع والطائفي والإنقسامي بشأن الصلاحيات. و«أن يكون رجل العمل العام الشخصية والسياسية، والذي تحكمه أخلاق المهمة وأخلاق المسؤولية»، كما ورد في كلمة رئيس اللقاء. وهذا يعني بشكل أو بآخر أن يكون رئيساً توافقياً، وليس محسوباً على أي طرف سياسي أو حزبي معيَّن، ويستطيع أن يقوم بدور الحكم بين الفرقاء السياسيين، وقادراً على ترميم العلاقات اللبنانية ــ العربية وإعادتها إلى سابق إزدهارها.