كتبت مارلين وهبة في “الجمهورية”:
لم يشهد لبنان في عز أزماته وحروبه العبثية خلال الحرب الاهلية مواجهات حادّة شبيهة بتلك التي تحصل اليوم داخل الادارات الواحدة والوزارات الواحدة وقصور العدل الواحدة، ليتّضح انّ مناصري سياسة الانقسام أبلوا بلاءً حسناً في هذا القرن العشريني ونجحوا في شق الصف الواحد والوزارة الواحدة وأخطرها وزارة العدل، فأصبحت العدلية اليوم باباً ومركزاً للمتاجرة والمبايعة السياسية واصبح المشهد العدلي على النحو الآتي: قصف قانوني واجتهادات في كل الاتجاهات إلا انها جميعها موجهة نحو مرمى العدلية، قاض يطرق مطرقته يميناً وآخر يساراً ويكيل المكائد لزميله والاهداف تحط في مرمى البيت الواحد، أي العدلية، لتصبح «الحرب العدلية» حرباً مع القضاة وضد القضاة وفيما بينهم، فلم يقتصر كسر هيبة العدل على العدلية وقصورها بل على القضاة أنفسهم الواحد تلو الآخر، ولم يعد لقرار القاضي او لمكانته او لسمعته او لإنجازاته أي هيبة.
وجاء انفجار 4 آب ليهز مضاجع القضاة وعقولهم وضمائرهم فتقاذفوا التهم والتنكيل فيما بينهم عوض ان يتضامنوا ويتكاتفوا لمصلحة الحقيقة وإحقاق العدالة. ويبدو ان محيط قصر العدل سيشهد اليوم ملحمة تاريخية اخرى، وهو المشهد الذي دأب المحامون والمواطنون والقضاة على مشاهدته والمعاناة منه، فهنا الاعتصامات المناهضة وهناك المؤيدة وهناك المندّدة والمهددة للقضاة ولهيبة قصر العدل من كل حدب وصوب، والجميع يتقاذف العدل والقضاة فلا يوفّرهما الاعلام ولا الأقلام.. وحتى من داخل حرمهما..
فبعد اكثر من ثلاثين دعوى مقدمة بحق القاضي طارق البيطار، حتى من اهل بيته، وقبل انتهائه من تحقيقاته ومن صدور قراره الظني لم يتمكن من إنهائه بحكم الغدر وعدد الدعاوى التي بدأت تنهال عليه.
اما وزير العدل فعلى رغم من محاولاته المتعددة للمساهمة في تحريك الملف فقد ضُرِبَ ايضاً من اهل البيت، وعوض عن أن يستنكر الزملاء ما حدث لأعلى سلطة ادارية عدلية أقاموا في حقه دعوات أقسى معنوياً من الهجوم والاستهداف الذي تعرّض له من الآخرين وتحديدا من ذوي ضحايا انفجار المرفأ، تماماً كما حصل مع البيطار حين تعرّض من كان معه له، فانقسم ذوو اهالي ضحايا انفجار المرفأ بين مؤيّد للبيطار وبين من غدر به ونشبت حرب سياسية مخفية بين اعلى سلطة ادارية عدلية واعلى سلطة قضائية اي رئاسة مجلس القضاء الاعلى ووزارة العدل فأصبحت حرباً علنية… وعوض ان يتصدى القاضيان للمحاولات المستمرة لضربهما وتفريقهما انجَرّا الى المعركة الخفية السياسية ربما عن قصد او عن غير دراية. اما المشهد المبكي فهو عراك اعضاء مجلس القضاء فيما بينهم اثناء التصويت القانوني على اقتراح اسم رديف للمحقق البيطار، بحيث سحب الجميع الاقنعة واصبحت حروب العدل حروب سيوف سياسية مفضوحة على المكشوف.
اما المضحك المبكي فهو انتفاضة اعلى سلطة قضائية، وتحديدا رئاستها، حين منعت التصويت واحتجزت قلم التوقيع عن بقية اعضاء المجلس مهددة بالانسحاب من جلسة قانونية مصيرية، قاصفةً بذلك سَير ومسار العدالة ومعلنة موقفاً سياسياً واضحاً ومباشراً من اقتراح وزير العدل الذي وافقها الرأي مسبقاً بحسب المعلومات على صوابية قرار اختيار قاضٍ رديف للبحث في ملف الموقوفين.
المواجهة التي عاناها ايضاً رئيس مجلس القضاء من بعض القضاة واهالي الموقوفين لا تقلّ شأناً عن تلك التي عاناها زميله وزير العدل بعدما كسرت هيبة القاضيين حين توجّه اهالي الضحايا والموقوفين الى منزل الأول وبعدها الى مكان إقامة الثاني كاسرين بذلك هيبة القضاء ومكانة وزارة العدل ومجلس القضاء. وكذلك فعلَ حتى بعض المحامين والقضاة الذين أقاموا الدعاوى في حق وزير العدل والقضاة الذين تطاولوا على رئيس مجلس القضاء عندما لم يؤيدهم وهدّد بالانسحاب من الجلسة اذا تم توقيع المحضر والتصويب لمصلحة القاضي الرديف، وكل ذلك حصل تحت سقوف البيت الواحد، اي العدلية، وهو ما لم تشهده قصور العدل حتى في عز حرب الاقتتال اللبنانية الداخلية.
يقول المراقبون انّ اليوم هو يوم الامتحان الاخير للتصويت لهيبة الدستور والقوانين والقضاء، وهو يوم امتحان لإسقاط التوجهات السياسية وتأثيرها على الضرورات الانسانية القانونية وحقوق العدل واحقاق الحقيقة، فإمّا أن يشرد القضاء او ان يستردّ البعض من القضاة هيبته وإمّا ان يمعن في تهشيم ابرز قضاته وأكثرهم جرأة وكفاية بحسب شهادته، علماً أن انتماء القاضي لا يلزمه بالاحكام وبدراسته لملفاته اذ انّ لكل قاض في لبنان حق الانتماء الديني او الرأي السياسي حكماً، وانّ مجرد الاعتراف بجدارته وكفايته وجرأته هو دليل ساطع واعتراف صريح بأن هذا القاضي غير منحاز لفريق او لآخر عندما يبتّ بملفاته، وإلا لما أشادت ارفع سلطة قضائية بكفايته، اذ كيف يمكن لرئيس مجلس القضاء الاعلى مثلاً الاعتراف بجرأة وصلابة وكفاءة الاسم المطروح رديفاً، أي القاضي سمرندا نصّار، ومن جهة اخرى لا يمتنع فقط عن التصويت لها فقط، بل يحجبه ايضاً عن بقية القضاة الذين يشكلون اكثرية في عضوية المجلس، علما ان القاضية المذكورة هي حالياً قاضي تحقيق اول في الشمال وتم تعيينها منذ عام 1990 في مراكز قضائية متعددة منها:
عضو في المحكمة الابتدائية في الشمال
قاضي منفرد مدني في المتن
قاضي منفرد جزائي في كسروان
مستشارة في محكمة الاستئناف في الشمال
قاضي منفرد جزائي في بعبدا
مستشارة في الهيئة الاتهامية في جبل لبنان بالتكليف
قاضي تحقيق من قبل لبنان وقاضي تحقيق اول في الشمال حالياً.
اجازة في الحقوق ودراسات عليا في الديبلوماسية والمفاوضات الاستراتيجية، استاذة ومحاضرة في جامعة الحكمة، في رصيدها دراسات قانونية متعددة في القانون الجزائي والمدني.
تابعت دورات تدريبية متعددة في التحقيقات الجزائية وادارة مسرح الجريمة ومكافحة الارهاب وخبيرة في الجرائم المنظمة الدولية والعابرة للحدود
في رصيدها اكثر مما يزيد عن 50 ملف قتل والبت بها واصدار قرارات ظنية فيها كشف خلية كفتون الداعشية.
البت بملف الباخرة «ترايدر» المحملة بنيترات الامونيوم والمتجهة الى لبنان مع العلم ان مدة التحقيق لم تتجاوز الثلاثة اشهر في الملف المذكور وغيرها من القضايا المتعلقة بتبييض الاموال وجرائم الانترنت المعروفة بال cybercrime
عرفت بالانتقال المتكرر الى مسرح الجريمة ومتخصصة بمسحه ودراسته وتحليل الادلة التقنية والرقمية.
القاضية سمرندا نصار وبالرغم من تفنيد سيرتها الذاتية تتعرض اليوم بدورها حتى من قبل ابناء بيتها للتهديد والوعيد من محامين وقضاة وناشطين وجمعيات وحتى من اهالي شهداء المرفأ، ومن الطبيعي ان يقف الى جانبها اهالي الموقوفين علماً انها بدات تتعرض للتحذير من ان طلبات الرد بانتظارها حتى قبل معرفة كيفية مقاربتها للملف اي اذا كانت ستخلي الموقوفين ام اذا لم تقتنع بإخلاء سبيلهم ! وبالرغم من ذلك تشتد الحملة عليها حتى من زملائها القضاة الذين يعترفون بجدارتها.
حين سألنا وزيراً سابقاً عما يجب ان يكون موقف نصار من الحملة الشرسة المسبقة عليها ومن المعركة السياسية داخل اعضاء المجلس الذين من المفترض ان يكونوا الى جانبها ويستنكروا حملة التخوين ضده؟ قال انه حين تسلم مهمته اقترح اسم البيطار الا ان الاخير رفض تَسلّم المهمة خوفاً من ان يحرقه الملف وخوفاً على عائلته، لكنه بَدّل رأيه حين أصرّ رئيس مجلس القضاء وألحّ عليه بضرورة القبول بالمهمة فقبل بالتكليف على مضض، وحين راجَعه الوزير المعني عن سبب قبوله المهمة بعد تردد سابق أجاب انه حين رأى انّ احداً من بقية القضاة المقترحين لم يقبل بالمهمة أيقنَ انّ من واجبه الوطني والعدلي القبول بها لخدمة العدالة والحقيقة، مؤكداً أنه سيسلّم أمره لله وسيتحمّل العواقب.