كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
قطع الرئيس نبيه بري الطريق أمام مناورات تمديد الفراغ الحكومي والمبادرات الرئاسيّة الهشّة مع دعوته نواب الأمة وفق توقيت عين التينة، إلى القيام بواجبهم الطبيعي وانتخاب رئيسٍ للجمهورية اليوم، ممتحناً لعبتهم الديمقراطية ومناشداتهم الداعية إلى «لبننة» الإستحقاق، مستبقاً مآل الملفات الإقليمية العالقة، كترسيم الحدود اللبنانية مع إسرائيل وإستعادة الثقة الدوليّة والعربيّة في لبنان.
ورغم أن إمكانية إنتشال لبنان من أزماته المتفاقمة تتخطى قدرة جميع «المُسترئسين»، إلا أن استكمال تكوين السلطة في الرئاسة الأولى ومن ثم رئاسة الحكومة وتشكيل سلطة تنفيذية متجانسة، يمكن أن يشكل مدخلاً لإطلاق مسار الإصلاح المطلوب، بمواكبةٍ من المجلس النيابي الضامن لاتخاذ تدابير سريعة تُخرج البلد من جهنّم عهد «حزب الله» العوني، الذي فاقم الشرخ بين اللبنانيين محملاً إياهم تبعات العقوبات والعزلة المفروضة على «محور المقاومة» جرّأء سياساته العدائيّة التي أبعدت لبنان سياسياً عن محيطه العربي والدولي الحاضن لأبنائه.
وقبل ساعات من التئام جلسة اليوم، لا تزال الصورة غير مكتملة لما ستؤول إليه مواقف الكتل النيابية مع تقدّم الإتصالات بين القوى «السيادية» للإتجاه باسم «سيادي» إلى ساحة النجمة، مقابل الورقة البيضاء لقوى «8 آذار»، ما سيؤدي إلى كشف جديّة الأسماء الرئاسيّة المطروحة وقدرتها على عبور عتبة البرلمان أولاً، ومن ثم قدرتها على نيل ثقة ثلثي أعضاء المجلس في الدورة الأولى والغالبية المطلقة في الدورات اللاحقة، وتتظهر بذلك قدرة القوى السياسية على التوصل إلى اختيار رئيسٍ جامع، مع تقدّم المحامي الدكتور صلاح حنين على غيره من المرشحين، والذي يشكل اسمه تقاطعاً بين تكتل «نواب الـ 13»، والنواب المستقلين وحزبي «القوات اللبنانية» و»الكتائب» كما «اللقاء الديمقراطي»، والذي لن يكون بعيداً بدوره عن التواصل مع تكتلات نواب السنّة أيضاً.
الإنطباع الذي رافق الحركة المتواضعة للقوى السياسية خلال الأسابيع والأيام الماضية مع تقدم الإجتهادات الدستورية ومحاولات تعويم حكومة تمديد الفراغ الذي جسده الرئيس ميشال عون على كافة المستويات، سيتبدد في ساحة النجمة اليوم التي ستكشف الدور الذي يريده نواب الأمة من رئيس الجمهورية؛ أكان عبر اختيار رئيس يشكل استمراراً لعهد «حزب الله» و»الممانعة»، أو رئيس لإدارة الأزمة المتفاقمة، أو الذهاب إلى رئيس سيادي قادر على فرض الإصلاحات المطلوبة لعودة الإستقرار السياسي إلى لبنان واستعادة مكانته على الساحة العربية والدولية.
ومع تأييد «محور المقاومة» للوزير السابق سليمان فرنجية على غيره من الحلفاء، فإن الأصوات التي سينالها في حال عقدت الجلسة، تعدّ رسالة تحدٍ للخارج واستمراراً لعزلة لبنان التي جسدها عهد الرئيس عون، ليبرز في الموازاة تعدد في الأسماء المطروحة التي تشكل تقاطعاً مصلحياً بين غالبية القوى السياسية، وهي من الأسماء الوسطية والمتلونة وفق مقتضيات المرحلة، ويشكل انتخاب أيٍّ منها تفادياً للفراغ، دون القدرة على اجتراح الحلول والتحرر من الإلتزامات التي مكنته من الوصول إلى بعبدا.
وتضم هذه القائمة العدد الأكبر من المرشحين مع تفاوت قدرتهم على «التلون» وتدوير الزوايا.
ووسط إستبعاد رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع تكرار تجربة 2014 والترشح من دون تأمين إجماع قوى المعارضة حوله، تنشط الإتصالات بين «القوى السيادية» لإختيار رئيس قادر على التواصل بين الجميع إنطلاقاً من وضوح مواقفه من الملفات المطروحة، بعيداً عن العدائية والأجندات الجانبية، والمواقف الملتوية التي تؤدي حكماً إلى طبع عهده بالفشل، وذلك إنطلاقاً من التركيز على أن أهمية موقع الرئيس ونجاحه يكمنان في قدرته على جمع اللبنانيين حول رؤيته لمشروع الدولة الذي يحمله بعيداً عن تعزيز التفرقة التي ستؤدي به وبعهده إلى مزيد من الفشل.
وتدور الإتصالات حول العديد من الشخصيات التي ارتأت عدم خوض معارك «دونكيشوتية» قبل اتضاح مواقف القوى السياسية التقليدية من الإستحقاق ومن التوجه فعلاً إلى اختيار رئيس ضمن المهلة الدستورية قبل حسم الملفات الإقليمية التي تستدعي حسم هوية الرئيس لاحقاً. في حين قد تدفع الأزمات المعيشيّة والإقتصادية المتفاقمة إلى تردي الأوضاع الأمنية والذهاب الى اختيار رئيسٍ قادر على حفظ الإستقرار الأمني وتطوير الدورالذي قام به على رأس المؤسسة العسكرية.
ومع التأكيد أن جميع الحلول في لبنان تتقاطع مع الأحداث في المنطقة والتي يشكل حلها مدخلاً لتحقيق الإستقرار السياسي، فإنه من المستبعد خروج الدخان الأبيض من ساحة النجمة اليوم، لتضارب هذا التوقيت مع الخارج الكفيل بحسم هوية الرئيس من بين الأسماء المتداولة القابلة إلى التبدل باستمرار والتي لن تكون نفسها بعد 31 تشرين الأول!