Site icon IMLebanon

المرشّحون الطبيعيّون

كتب جوزف الهاشم في “الجمهورية”:

كانت أمس جلسةٌ برلمانية قيل: إنّها لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ولأنّ الرئيس الكامل الأوصاف لا يزال مجهولاً، فقد كان الغرضُ من الجلسة رفـعَ الطرابيش عن الأرنب الأبيض والأرنب الأسود، ورفعَ العتَبِ الدستوري… وكان نصيبُ لبنان عشرة أصوات.

ومع هذا الإستحقاق الرئاسي تكاثرتْ على المرشحين ألقابٌ وتسميات ومواصفات، كان من أبرزها المرشّحون الطبيعيون.

والذين تُطلق عليهم أسماءُ المرشحين الطبيعيين، لستُ أدري ما إذا كانوا حقاً طبيعيين.

في المطلق المعنوي، يجب أن يكون الإسمُ مطابقاً للمسمّى، هكذا قال الشيخ الرئيس إبـن سينا: «للولدِ حـقٌ على أبويْـهِ في أنْ يُحسنوا تسميَتـهُ».

في المصطلح اللغوي: الطبيعي هو ضـدّ الإصطناعي.

وفي المصطلح الطبـيّ: الطبيعي هو مَـنْ يتحلّى بالجسم السليم والعقل السليم.

من الطبيعي أن يكون المرشح الطبيعي لرئاسة لبنان ولا سيما وفي هذا الزمان، على إلمـامٍ بشيء من الشمولية الثقافية والمعارف العامة، في التارخ السياسي والجغرافيا السياسية، والشؤون الإجتماعية والقانونية والإنسانية، تتمَحْورُ كلُّها حـول خدمة هذا المجتمع المنكوب والإنسان المرعوب فيه.

وأقول أكثر: إنَّ المرشّح الطبيعي لهذا اللبنان، بعد كـلِّ ما حـدَثَ فيه وكان، يجب ألاّ يكون عنده صهـرٌ، حتى ولو كان صهرُهُ جبران خليل جبران.

ما يتـمّ التداول بإسمائهم على أنّهم مرشحون طبيعيّون هـم: سليمان فرنجية، سمير جعجع، جبران باسيل، وقائد الجيش جوزف عـون.

بحسب ما رشَـحَ على هامش البيان الثلاثي: الأميركي، الفرنسي، السعودي: أنّ سليمان فرنجية لا يحظى بتزكيةٍ أميركية سعودية، وأنَّ سمير جعجع يُعتبر مرشّحاً غيـرَ توافقي، وجبران باسيل موفوضٌ دولياً لأنّـه موصومٌ بالعقوبات، وأنّ لا مانع لدى الولايات المتحدة وفرنسا من أن يكون قائد الجيش المرشّح الأكثر حظّـاً.

وباتَ من الطبيعي ألاّ يسأل أحـدٌ عن الرفض اللبناني أو القبول اللبناني حيال أيّ مرشّح طبيعي لرئاسة لبنان.

عندما يتخلّى اللبنانيون عـن حقِّهم السيادي، يصبح لبنانُ السّيدُ عبـداً يُعرض للبيع في المزاد الدولي، ولا يُشترى إلاّ والعصا معَـه.

هذا يذّكرنا بعهد الإنتداب عندما سأل الدكتور أيوب تابت المفوض السامي الفرنسي «الكونت دي مارتيل»: هلْ وقـع اختياركم على إميل إده، فأجاب: إننا على الحياد، ولتكُن معركة بين إميل إده وبشارة الخوري ولا أحـبّ أنْ أسمع بمرشّح ثالث (1).

إذا أحـبَّ المثلّث: الأميركي الفرنسي السعودي أن يسمع بالمرشّح الرابع العماد جوزف عـون، فهذا يعني أنّ المنظومة الحاكمة والطبقة السياسية الغارقتين في مستنقعات الفساد، قد سقطتا من الإعتبار الشرعي والإعتراف الدولي، ولم يعـد ممكناً معهما أن ينال لبنان أيَّ مساعدةٍ دولية للخلاص من انهياراته.

وهذا يعني أيضاً أنّ الظرف لم يعـد يسمح بالمشاهد المسرحية لرئاسة الجمهورية التي تـؤدي إلى الإنتحار السياسي، وأنَّ البلاد المتلاطمة في أمـواج المفاسد، والغارقة في الفوضى الأمنية وهيمنة العصابات المسلحة وجرائم القتل والسلب والإغتيال والإغتصاب والخطف، إلى معابر قوارب المـوت في البحر، ومعابر التهريب في البـرّ، لـم تعُـد المواصفات الرئاسية فيها تحتاج إلى عبقريّ أو نابغة أو فيلسوف، بقدر ما تحتاج إلى من يضبط الفلتان الأمني الفاحش والفلتان الخلقي المتوحش، وهذه مواصفات تنطبق على العماد جوزف عـون.

حـظُّ العماد عـون في أن يكون الفراغ هو المرشح المنافس لـه، فإذا تحققت النبوءة العونية الثانية، فإننا نرجو لهذا «العـون» أن يكون عونـه حقّـاً من اللـه.

1 – من كتاب بشارة الخوري – وليد عوض – الجزء الأول : ص. 196