كتبت خديجة حكيم في “الجمهورية”:
وسط أجواء من التهليل استقبل لبنان المقترح الخطّي من الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين حول ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، والذي تضمّن في بنوده وفق ما أُثير في الإعلام وأوساط مطلعة معنية بالملف «تلبية مطالب لبنان بالخط 23 وحقل قانا المُحتمل مع التزام فرنسي عبر شركة «توتال» الفرنسية ببدء التنقيب والاستخراج في الحقول اللبنانية فور توقيع اتفاق الترسيم، إضافة إلى حفظ حق العدو الإسرائيلي في المطالبة بتعويض من حصة شركة «توتال» في امتداد حقل قانا المحتمل الذي يتجاوز الخط 23».
ومنذ وصول المقترح الى أيدي الرؤساء الثلاثة في لبنان، سادت موجات من التهليل والتكبير للإنتصار المحقق في ملف الترسيم، “بروبوجندا” لا تقلّ عن المشهد الذي اعتدناه في الشهور السابقة لكن للأسف مع اختلاف وحيد، ففي الأمس كنا نتأمل وسط الأجواء “الإيجابية الملغومة” ان يكون هناك أملًا حقيقيًا في تحقيق نتيجة عادلة في هذا الملف. لكن بعد عدة أشهر من التوتر والتصعيد والتهديدات جاء اتفاق الترسيم الموعود لينقل جبهة النزاع من “كاريش” من حقّنا القابع عند الخط 29 الى حقل “قانا المحتمل” عند الخط 23. هذا الإتفاق أزاح الضغوط عن العدو الإسرائيلي بمساهمة ومساندة ومباركة لبنانية مقابل تنازلات كرّست لإسرائيل حقوقًا لم تكن موجودة.
لقد بات واضحًا أنّ السلطة في لبنان كان جُل حلمها هو “خط هوف”، لذا شكّل خط 23 انتصارًا لها لكنه انتصار ملغوم! فلا “القمحة ولا الشعيرة” موجودة في مكيال ملف الترسيم، أللهمّ إلا قمحة ملغومة!! فنحن كشعب ما باتت الخطوط 29 أو 23 هدفًا نَرجوه بل عملية التنقيب عن البترول والإستخراج هي الأمل الذي نتمسّك به لينتشل ما تبقى من أرواح بات ملاذها الأخير هو أن تنجو في “قوارب الموت”.
وبالعودة الى العرض الخطي المقترح من قبل هوكشتاين فلا يمكن قراءته بعيدًا عن حقائق عدة، وهي:
1 – نقل ملف نزاع الترسيم البحري من “كاريش” الى “حقل قانا المُحتمل” إن وجد.
2 – السماح لإسرائيل بالتنقيب في حقل كاريش والبدء في نقل الغاز الى أوروبا من دون قيد أو شرط أو رقيب أو حسيب.
3 – خلق سيادة لشركة “توتال” الفرنسية على مسار التنقيب والإستخراج في الرقعة الرقم (9) وربطها بالإتفاق الخطي مع “إسرائيل”، على رغم من أن “توتال” مُلزمة بتحالفها -المنقوص حاليًا- وفق عقد الاستكشاف والإنتاج للرقعة الرقم (9) بالتنقيب والإستخراج أيّاً كان مصير ملف الترسيم.
4 – لإسرائيل حق جديد يتمثّل بالتعويض من حصة “توتال” الفرنسية عند امتداد حقل قانا المحتمل لخارج الخط 23! أي أننا خلقنا حقًا جديدًا لإسرائيل بطريقة غير مباشرة في تحديد كمية وكيفية المطالبة بالتعويض خارج حدود سلطة الدولة اللبنانية ورقابتها، كَون التعويض بات مسألة داخلية بين إسرائيل و”توتال” الفرنسية.
5 – خلق حق التعويض لإسرائيل في امتداد حقل قانا المحتمل من شأنه أن يعطّل عملية التنقيب والإستخراج، فيكفي أن تَدّعي إسرائيل لدى الأمم المتحدة أن لها حقًا في أي امتداد لحقل قانا المُحتمل خارج حدود الخط 23، أي الخط الرسمي المودع من قبل لبنان لدى الأمم المتحدة، فيحول المنطقة منطقة نزاع، فما الحل؟
6 – من يضمن أن تتّبع “توتال” الفرنسية المسار نفسه الذي انتهجته في الرقعة الرقم (4) بحَفر بئر واحدة في الرقعة الرقم (9) وتُقرر الاعتكاف عن الاستمرار في التنقيب!!
7 – إرتضاء الدولة اللبنانية إخراج منطقة الطفافات والممتدة من رأس الناقورة حتى الزاوية الشرقية الجنوبية من البلوك الرقم 10 من المفاوضات الحالية لنقلها الى ملف التفاوض البري من شأنه أن يحوّلها منطقة مُتنازع عليها على رغم من ثبوتها للبنان.
اذا كان كل ما تمّت مصادرته من حقوقنا للسلة الاسرائيلية هو بهدف الحصول على الإذن الدولي بالسماح للبنان بالتنقيب والإستخراج في المنطقة، فما هو ضمان هذا البلد من تحقيق النتيجة في هذا الإتفاق؟