Site icon IMLebanon

هوكشتاين قدّم اتفاقين: اقتصادي مُعجّل وأمني مؤجّل!

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

تلاحقت المواقف على المسارين اللبناني والاسرائيلي في شأن الوثيقة الاخيرة التي رفعها الوسيط الاميركي في مفاوضات الترسيم عاموس هوكشتاين السبت الماضي، واستعجل الطرفان الإعلان عن ترحيبهما، بما يوحي انّ مصالحهما مضمونة بطريقة استحق فيها هوكشتاين أن يدير حلقة من حلقات برنامج «Lecole Des Fannes» التي لا يخرج منها أي طرف خاسراً على قاعدة «tout le monde a Gagne». وما كان لافتاً أنّه اقترح اتفاقين اقتصادي معجل وأمني مؤجّل؟

بمعزل عن النتائج التي يمكن ان ينتهي اليها اللقاء الذي عقُد عصر أمس في قصر بعبدا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، والذي خُصّص للبحث في مصير مفاوضات ترسيم الحدود البحرية وتوحيد موقف لبنان منها، فإنّ هناك كثيراً مما يجدر التوقف عنده في طريقة تعاطي المسؤولين مع الخطوة الاميركية، سواء في الشكل والتوقيت كما المضمون، قبل الحكم على ما يمكن ان تقود اليه هذه المفاوضات إن صح أنّها باتت في الامتار الاخيرة إلى نهاية المسيرة التي امتدت على مدى أكثر من عقدين ونيف من الزمن، وأدّت إلى ما ادّت اليه حتى الأمس القريب.

فمنذ ان سلّمت السفيرة الاميركية في بيروت دوروتي شيا صباح السبت الماضي التقرير المنتظر من هوكشتاين، لم يتنبّه حتى اليوم أحدٌ كيف اختلف المسؤولون اللبنانيون الكبارعلى تسميته. فعلى الرغم من انّها عمّمت «نسخة موحّدة» على الجميع، فقد تعاطى معها كل منهم بطريقة مختلفة عن الآخر. ففي الوقت الذي قال مكتبا الإعلام في القصر الجمهوري ورئاسة الحكومة، إنّ عون وميقاتي تسلّما ما سُمّي «العرض الخطي من الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية البحرية اموس هوكشتاين الذي يتعلق بترسيم الحدود»، قال المكتب الإعلامي في مجلس النواب انّ بري تسلّم «نسخة عن اقتراح الاتفاق النهائي لترسيم الحدود البحرية الجنوبية».

وتزامناً مع الإعلان من بعبدا عن الاتصالين الهاتفيين اللذين أجراهما عون ببري وميقاتي «بهدف التشاور معهما في الموضوع، وفي كيفية المتابعة لإعطاء الوسيط الأميركي رداً لبنانياً في اسرع وقت ممكن» – كما قال البيان الرسمي في بعبدا – جزم بري في أنّ «مسودة الاتفاق النهائي إيجابية»، مؤكّداً انّها «تلبّي مبدئياً المطالب اللبنانية التي ترفض إعطاء أي تأثير للاتفاق البحري على الحدود البرية».

وقبل ان يقول الرؤساء الثلاثة امس كلمتهم حول طريقة التعاطي مع مستقبل هذا الملف، وخصوصاً تلك «المؤدية إلى ترجمة التفاهم وآلية التعاطي مع الجانب الاسرائيلي» عقب لقاء الفريق التقني والعسكري والديبلوماسي، كان بري يعلن «أنّ اتفاق الحدود البحرية سيتمّ توقيعه عند حصوله، في الناقورة عند نقطة الحدود». مع انّه لفت قبل ذلك بلحظات إلى أنّ الاتفاق المؤلف من 10 صفحات، وباللغة الإنكليزية، «يستلزم درساً قبل إعطاء الردّ النهائي عليه»، وهو ما زاد من حجم الالتباس القائم إلى ما سبق ولمّح اليه بري بقوله «إنّه اتفاق نهائي»، ينهي المفاوضات مع العدو الاسرائيلي ويفتح صفحة جديدة تضيء على الجوانب الاقتصادية والاستراتيجية للتعاطي مع الثروة النفطية وطريقة استثمارها والإفادة منها.

وعلى وقع هذه الإشارات السلبية التي لم تحجب حجم الارتياح الذي ولّده تقرير هوكشتاين في أوساط المسؤولين اللبنانيين، كان الجانب الاسرائيلي ممثلاً بأعلى المراجع الحكومية، اكثر وضوحاً في التعبير عن ردّات فعله الايجابية، بدليل مجموعة المواقف التي عبّر عنها رئيس الحكومة يائير لابيد ومن بعده وزير الدفاع بيني غانتس، قبل ان تقول وزيرة الطاقة كارين الحرار كلمتها، في إطار الردّ على الحملة التي قادها رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، منافسهم الأقوى في الانتخابات التشريعية المنتظرة مطلع الشهر المقبل.

واستناداً إلى هذه المؤشرات، فقد قدّم الجانب اللبناني المعطيات الاقتصادية والمالية، ضارباً موعداً مع المدخول المالي المؤجّل ربما لسنوات عدة. فقد قدّم الجانب الاسرائيلي في مواقفه الشأن الأمني على الاقتصادي، من خلال التأكيدات على لسان مصدر حكومي رفيع المستوى الذي قال، إنّ «اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان سيعطي إسرائيل خط دفاع أمني بحري». مضيفاً في إشارة واضحة إلى مستقبل المفاوضات، أنّ «اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان سيكون ملزماً ويودع لدى الأمم المتحدة»، في ردّ غير مباشر على إعلان نتنياهو أنّه لن «يكون هناك اي اتفاق ملزماً لحكومته إن فاز في انتخابات الكنيست الشهر المقبل».

وإلى هذه المعطيات التي عكستها الاوساط الاسرائيلية، فقد وازن المسؤولون الحاليون في مواقفهم بين الشأنين الأمني والاقتصادي. وهو ما أكّده رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي تلاقى وبري على تسمية العرض الأميركي بمشروع «الاتفاق النهائي» لترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وقال انّه «يحفظ مصالحنا الاقتصادية ويحفظ أمن إسرائيل بشكل كامل». في حين اكّد وزير الدفاع الإسرائيلي انّ اتفاق الترسيم «سيعود علينا وعلى لبنان بمنافع اقتصادية». وكان لافتاً انّه شكّك بالنتائج الأمنية للاتفاق عندما قال، انّه «لا يضمن منع الاحتكاك مستقبلاً مع لبنان». وعليه فقد تولّت وزيرة الطاقة الردّ على نتنياهو الذي شكّك بحجم المصالح الاسرائيلية التي ضمنها الاتفاق على خلفية «التنازل لـ «حزب الله»، متجاهلاً الموقف اللبناني الرسمي المتشدّد بدرجة متقدّمة في زمن الانتخابات التشريعية للكنيست، ودعته إلى وقف اطلاق هذه المواقف المضرّة بالمصالح الاسرائيلية في دفاعها عن نتائج العرض الاميركي الاخير، مذكّرة ايّاه بأنّه تولّى هذا الملف لأكثر من 10 سنوات ولم يصل إلى اي تفاهم.

وإن توقف المراقبون أمام هذه الصورة البانورامية للمواقف اللبنانية والاسرائيلية، يستنتجون بسهولة التلاقي بينهما على أكثر من جانب في المبادرة الاميركية، تجلّى في اعتبارهما انّ المشروع الاميركي الاخير قد فصل بين الترسيم البري والبحري، وتجاهل التوصل سريعاً إلى اي تفاهم حول مصير «المنطقة العازلة» – التي لها علاقة مباشرة بالنقاط البرية المختلف عليها وتحديداً النقطة «B1»، التي رفض لبنان المسّ بها كما هي، وفق ما نصّت عليه اتفاقية الهدنة عام 49، التي شدّدت على الحدود الدولية للبنان – فقد ركّز على الجانب الاقتصادي الذي يقود اليه استئناف عملية الإستكشاف في لبنان واستخراج النفط الاسرائيلي بالسرعة القصوى لمواجهة الوضع الطارئ اقليمياً ودولياً نتيجة الغزو الروسي لاوكرانيا والعقوبات على المشتقات النفطية الروسية وانعكاساتها على الأسواق النفطية العالمية.

وفي انتظار المواقف التي ترسم معالم الإتفاق النهائي، يجدر التوقف عند العناوين الأميركية في توصيف الخارجية للعرض الاخير، فوصفته بأنّه يشكّل حلاً للنزاع في شأن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وانّه «يمثل أولوية رئيسية لإدارة بايدن»، ما يشكّل تصميماً على إتمام المهمة، وان لم يتمكن من حل الخلاف كاملاً، يكفيه انّه وفّر حلاً اقتصادياً لـ «المنطقة الإقتصادية» بين البلدين تأجيل البت بالخلاف الأمني الذي يطاول «المياه الاقليمية»، فلكل منهما قوانينه وآليات التعاطي معه. وهو ما يعني انّ هوكشتاين قدّم اتفاقين، أحدهما اقتصادي مُعجَّل وآخر أمني مؤجّل.