Site icon IMLebanon

عون يعود إلى المعارك: لا ميثاقية في غياب الرئيس

كتب منير الربيع في “المدن”:

لا يسأم ميشال عون من المعارك، هو الذي يهوى الوقوف على جبهات القتال. ليس من الذين يتراجعون ولو كانت ارتدادات معاركه عكسية عليه ونتائجها سلبية. في رئاسة الجمهورية، كما قبلها، وسيستمر حاله بعدها، ينتقل من معركة إلى أخرى. يعرف كيف يصنع خصومه وكيف يستدرجهم إلى قتاله. يتهمهم بإعاقة مسار عهده، لكنه في المقابل يدّعي القوة في مواجهتهم. هو لن يخرج من القصر ويتركهم في جنّة حكمهم. في عقل الرجل أفكار كثيرة لاستمرار المواجهة، ولو كانت عبثية أو أسهمت في المزيد من الإنهيار.

كان آخر ملفاته الأساسية والتي يسعى من خلالها إلى اختتام عهده، ملف ترسيم الحدود البحرية، وصلت “اللقمة إلى الفم” وسحبت بقدرة قادر في اللحظة الأخيرة. قبل الدخول في هذه المفاوضات، كان عون قد استعجل الإعلان عن لبنان دولة نفطية والدخول في نادي النفط. في العام 2020 برفقة حسان دياب اعتلى الجنرال قمرة باخرة التنقيب عن الغاز في البلوك رقم 4 قبالة سواحل البترون، خرج معلناً انتصاره. لم تمرّ أشهر قليلة حتى أعلنت شركة توتال بأن لا مخزونات نفطية، رفض الجنرال التصديق، اعتبر أن ثمة مؤامرة، وهو الذي قضى عمره يواجه المكائد والمؤامرات أو ينصبها لخصومه.

في الموازاة كان يسعى إلى سحب ملف التفاوض على ترسيم الحدود البحرية من يد الرئيس نبيه بري، لم ينجح إلا بعد الإعلان عن اتفاق الإطار. حينها استلم الملف. ذهب بعيداً في مفاوضاته رفعاً للأسقف وتوسيعاً للمساحة من 860 كلم مربعا إلى 2290 كلم مربعا. استبدل الخط 23 بالخط 29. شنّ حملة شرسة على بعض وزراء حكومة دياب الذي رفضوا التوقيع على تعديل المرسوم 6433، وبعد توقيعه امتنع هو. أودع نص المرسوم الجديد في الدرج، وبدأ مفاوضات جديدة. وهو يقول للقريب والبعيد هذا الملف من صلاحياتي بموجب المادة 52 من الدستور.

فشلت مفاوضات الناقورة، نتيجة تمسك الوفد اللبناني المفاوض وبدعم من عون بالخط 29. انسحب الإسرائيليون وخرج الأميركيون لاعتماد التفاوض المكوكي عبر وسيطهم آموس هوكشتاين.

في موازاة التفاوض مع عدو هو اسرائيل، كان لبنان يشهد ضرباً تحت الحزام تفاوضياً أيضاً على حقوقه بين عون من جهة ونبيه بري من جهة أخرى. ثمة من قرأ أن عون وبطرح الخط 29 أراد المزايدة على برّي بأنه قادر على تحصيل أكثر منه، وللتفاوض مع الأميركيين حول العقوبات المفروضة على جبران باسيل. طال أجل اللعبة التفاوضية، دخل حزب الله على الخطّ بتهديداته لتسريعها، قدم هوكشتاين الإقتراح المكتوب، قال نبيه بري قمة ونصف تعليقاً على المقترح، فيما ذهب لبنان لتقديم ملاحظاته. ملاحظات نسفت لحظة الإتفاق ودفعت إلى تأجيله. أصيب عون بخيبة الأمل. في قرارة نفسه حمّل نبيه بري ونجيب ميقاتي المسؤولية، وهو مقتنع بأنهم يحاربان لمنع توقيع الإتفاق في عهده. رفض ذلك، فيما تستمر المفاوضات في سبيل انقاذ الإتفاق وإبرامه قبل الحادي والثلاثين من الشهر.

عودة إلى المعارك
لكن الرجل لم يترك المعركة، غداة الرفض الإسرائيلي للملاحظات اللبنانية و”التشبيح الإعلامي” الذي مارسه مسؤولون إسرائيليون لوحوا بالتصعيد لزوم الإنتخابات. بقي لبنان مصراً على التفاوض وانجاز الإتفاق قبل الإنتخابات الإسرائيلية، فيما أخرج عون سلاحاً جديداً بتصريحه خلال استقبال الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي إذ قال:” الأولوية المطلقة يجب أن تكون راهناً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن وجود الرئيس أساسي لتشكيل حكومة جديدة وليس العكس”. وأضاف عون “ان بلداً مثل لبنان بخصوصيته وتميزه وتعدديته، لا يمكن ان تتحقق فيه الشراكة الوطنية والميثاقية في غياب رئيس الجمهورية”. موقف أراده الرجل لقلب الطاولة على خصميه اللدودين، فيحملهما مسؤولية الفراغ وكأنه يمهّد لخطوة أخرى بانه في حال عدم إنجاز اتفاق الترسيم، وعدم تشكيل الحكومة سيلجأ إلى ما يراه مناسباً لردّ الصاع صاعين، إما برفض تسليم السلطة، أو بإصدار مرسوم يقيل فيه حكومة ميقاتي من تصريف الاعمال، وهذا سيكون معطوفاً على حركة عونية في الشارع، فيعود الجنرال إلى صباه، ويجدد نفسه بالعودة إلى المعارك.