كتبت صونيا رزق في “الديار”:
اطلقت عظة البطريرك الماروني بشارة الراعي يوم الاحد الماضي الصرخة المنتظرة، من خلال الدعوة المتكرّرة لإنتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة جامعة لا فئوية، حكومة شعب لا حكومة حزب أو تحالف أو فئة تريد أن تهيمن على البلاد بالواسطة، لانّ الشعب يرفض حكومة على قياس البعض، سبقها بأيام بيان لمجلس المطارنة الموارنة الذين دعوا خلال اجتماعهم الشهري في بكركي، الى الاسراع ايضاً بتشكيل حكومة تمنع أي طرف من حكم البلاد، وتمنوا على المعنيّين تسهيل عملية التشكيل وعدم استغلال اي إجراء دستوري لتسجيل نقاط في السياسة، ومن دون سيطرة احد على الحكومة الجديدة، ومناشدين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، التعاون الوثيق للخروج بحكومة تثبت كيان المؤسسات الدستورية.
هذا البيان بصورة خاصة إستدعى زيارة عاجلة، من قبل رئيس حكومة تصريف الاعمال الى بكركي، للتوضيح بأنّ عقد التكليف لا شأن له بها، وبأنه لن يقوم بتجيير صلاحيات الرئاسة له، للتأكيد على عدم صحة ما يُشاع من انه يريد ان يتحكّم صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال الفراغ الرئاسي، اي قام بزيارة طمأنة كما إشتكى ميقاتي رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي يقوم بوضع العصيّ بدواليب الحكومة وعملية تأليفها، ووضع الراعي في الاجواء الحكومية المستجدة ومنها طلب باسيل دخول وزراء من تيّاره ضمنها.
هذه التطمينات اتت بالتزامن مع مخاوف وهواجس البطريرك الراعي، التي تبرز في عظاته كل احد وفي كل مواقفه، لانه خائف على مصير لبنان بشكل عام، وعلى المسيحيين بشكل خاص، الذين يهاجرون بأعداد هائلة منذ ان تفاقمت الازمة في العام 2019، كما يبدي مخاوفه على المركز المسيحي الاول في الدولة، لانّ المجهول يطوقه وقد لا نعرف مصيره في حال طال الفراغ الرئاسي لسنوات، لذا يكرّر يومياً ضرورة إنتخاب رئيس وسطي قادر على جمع الافرقاء السياسيين، للقيام بما فيه مصلحة لبنان عموماً، وتقول المعلومات بأنّ ميقاتي تمنى على الراعي التدخل لحل العقد التي يضعها باسيل امام التأليف، فأتى الرد من باسيل بزيارة عاجلة يوم امس للدفاع عن نفسه امام الراعي، ولتقديم شكوى بدوره ضد ميقاتي بأنه هو المعرقل، ولا يريد تشكيل حكومة لأسباب معروفة.
الى ذلك، تبرز مخاوف بكركي من تعثّر الاستحقاق الرئاسي هذه المرة ايضاً، الامر الذي يشكل خوفاً على دور المسيحيين، مع تكرار الفراغات كل ست سنوات، لانّ القصة باتت تتكرّر مروراُ على مدى أشهرعديدة، ثم تحصل تسوية رئاسية تترك تداعيات سلبية في معظم الاحيان، كما تبدي بكركي هواجسها من دعوة البعض كل فترة الى تغيير النظام، لِما يمكن أن يحمله من مخاطر على الدور المسيحي المقبل، مما يعني تغيير هوية لبنان التي تثير المخاوف ايضاً لدى الفاتيكان.
من هذا المنطلق رفض البطريرك الراعي تجيير صلاحيات الرئاسة الى حكومة تصريف الأعمال، ولذا يشدّد في كل مواقفه الى الاسراع في انتخاب رئيس قبل إنتهاء المهلة الدستورية، كي لا تتابع حرب الصلاحيات بين الرئاستين الاولى والثالثة، وتنقلب توتراً طائفياً لبنان في غنى عنه في هذه الظروف المأساوية، والتي يلجأ اليها عادة الطابور الخامس لإشعال الوضع.
في غضون ذلك، تنقل مصادر كنسية بأنّ الهواجس موجودة ايضاً لدى الفاتيكان، من فراغ الموقع المسيحي الأول في لبنان، ما من شأنه إلحاق الضرر الاكبر بالتوازن الميثاقي ، وتشدّد على ضرورة ان يكون الرئيس صناعة لبنانية وطنية، لا يحمل صفة الولاء لأي دولة خارجية. ولفتت المصادر المذكورة الى اهتمام لافت من قبل الكرسي الرسولي في الاستحقاق الرئاسي المرتقب، والى دور المسيحيين في إستعادة القرار، والى عودة المشاركة الرئيسية فيه كما كان يحصل في السابق.