كتب علي بردى في “الشرق الأوسط”:
غداة توصل لبنان وإسرائيل إلى مسودة اتفاق وصف بأنه «اختراق تاريخي» لتسوية نزاع حدودي بحري عمره عقود حول السيطرة على الموارد على امتداد الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، أقر مسؤولون أميركيون كبار بأنهم يتوقعون «لحظات صعبة أخرى» خلال تنفيذ هذا الاتفاق، مؤكدين أن المفاوضات لم تجر «في ظل تهديدات (حزب الله)»، ولم تتضمن مشاورات مع التنظيم المدعوم من إيران.
ووفقاً للنص النهائي للمسودة المؤرخة في 10 تشرين الأول 2022 والتي سربت عبر صحافي إسرائيلي، «يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في التاريخ الذي تُرسل فيه حكومة الولايات المتحدة إشعاراً يتضمن تأكيداً على موافقة كل من الطرفين على الأحكام المنصوص عليها في هذا الاتفاق». وفي اليوم الذي يرسل فيه هذا الإشعار، سيرسل لبنان وإسرائيل في الوقت ذاته إحداثيات متطابقة إلى الأمم المتحدة تحدد موقع الحدود البحرية، على أن يبقى الوضع الراهن قرب الشاطئ على ما هو عليه، بما في ذلك على طول خط العوامات البحرية الحالي.
وأوضح مسؤول أميركي رفيع لمجموعة من الصحافيين أن الوساطة التي قادتها الولايات المتحدة في شأن النزاع على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل «بدأت منذ أكثر من عشر سنين» في عهد الرئيس باراك أوباما ونائب الرئيس آنذاك جو بايدن، ولم تؤد إلى أي نتيجة حتى عام 2020 حين «اتخذت منعطفاً تمثل بتوقف الطرفين عن التفاوض». ولكن إدارة الرئيس جو بايدن عاودت وساطتها في خريف 2021 وأوائل عام 2022، «في إطار السعي إلى (…) تحول نموذجي من شأنه أن يسمح بتحقيق اختراق» تمثل خلال الأسابيع القليلة الماضية باتفاق كل من الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية مع الولايات المتحدة «على إنهاء هذا النزاع». وشدد على أن هذا الاتفاق «ليس ثنائياً» بين لبنان وإسرائيل، بل من خلال الولايات المتحدة. لكنه «يرسم حداً يسمح لكلا البلدين بمتابعة مصالحهما الاقتصادية من دون نزاع».
لا اتفاق مباشراً
هذا ما كشفه مصدر أميركي آخر عندما أوضح أن ما حصل هو «اتفاقان منفصلان»، الأول بين الولايات المتحدة وإسرائيل والثاني بين الولايات المتحدة ولبنان، «عوض الاتفاق المباشر» بين إسرائيل ولبنان.
وإذ أشار المسؤول الأميركي الرفيع إلى الاتصالين اللذين أجراهما الرئيس بايدن الثلاثاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد والرئيس اللبناني ميشال عون، فقد أكد أن ما حصل سيكون لمصلحة لبنان الذي «يعاني أزمة اقتصادية كبيرة – تشمل كل قطاعات الاقتصاد»، مضيفاً أنه «من دون معالجة أزمة الطاقة والكهرباء، يستحيل رؤية أي أمل في التعافي الاقتصادي». وأكد أن هذا الاتفاق سيوفر للبنان «إمكانات جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر»، ولا سيما في قطاع الطاقة، فضلاً عن «البدء في استكشاف الموارد الهيدروكربونية في البحر الأبيض المتوسط باعتبارها الدولة الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط التي لم تفعل ذلك بعد”.
وكذلك لفت إلى أن إسرائيل «نجحت للغاية» في تطوير موارد غاز وموارد هيدروكربونية كبيرة في البحر الأبيض المتوسط، والاتفاق مع لبنان «سيوفر لها نوعاً من الأمن والاستقرار»، علما بأن التصدير يجعلها «جزءاً من الحل العالمي والأوروبي لأزمة الطاقة». وأكد أن «المفاوضات لم تكن سهلة»، متوقعاً أن «تكون هناك لحظات صعبة أخرى» خلال تنفيذ هذا الاتفاق، موضحاً أن الولايات المتحدة «ستواصل تقديم مساعدتها في تسهيل أي مناقشات في المستقبل”.
ورداً على سؤال حول أثر التهديدات التي أطلقها الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله على المفاوضات والاتفاق، قال المسؤول الأميركي الرفيع إن «حقل كاريش ليس في المنطقة المتنازع عليها»، مشدداً على أن «المفاوضات لم تجر في ظل (…) التهديدات»، علما بأن الولايات المتحدة «دعمت دائماً حق إسرائيل في تطوير كاريش»، على أن يكون حقل قانا ضمن الحدود البحرية اللبنانية. وتوقع توقيع البلدين على الاتفاق ودخوله حيز التنفيذ «في أسرع وقت ممكن». وأكد أن «المفاوضات التي أجريت بوساطة أميركية لم تتضمن مناقشات مع (حزب الله)».
مستثنى من العقوبات
وسئل عن اتفاق خط الغاز العربي، فأجاب أن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن «استيراد الغاز من مصر عبر الأردن، وصولاً إلى لبنان، هو تطور إيجابي بالنسبة لبنان» الذي «لا يزال عليه اتخاذ بعض الخطوات»، بالإضافة إلى «خطوات البنك الدولي بعد ذلك». وقال: «سنقوم بإجراء مراجعة نهائية في الولايات المتحدة للتأكد من أنها تتماشى مع العقوبات الأميركية»، في إشارة إلى «عقوبات قيصر» ضد سوريا، معبراً عن «ثقته بأنه يمكننا توصيل الغاز إلى لبنان على أساس سريع إلى حد ما إذا اتخذت بالفعل خطوات الإصلاح التي التزمها لبنان».
ويأمل المسؤولون الأميركيون في أن تمنح الصفقة، التي توسط فيها المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكستاين، إسرائيل مزيداً من الأمن، على أن تتيح للبنان مجالاً أكبر في المستقبل لتخفيف أزماته المتعلقة بالطاقة، وتزويد أوروبا بمصدر جديد محتمل للغاز وسط النقص الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا. ووصف الرئيس بايدن الاتفاق بأنه «اختراق تاريخي في الشرق الأوسط»، لأنه «يمهد الطريق لمنطقة أكثر استقراراً وازدهاراً، وتسخير موارد الطاقة الحيوية الجديدة للعالم».
ويحدد الاتفاق فقط الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وليس الحدود البرية التي يبلغ طولها 80 كيلومتراً والتي لا تزال محل نزاع وتخضع لمراقبة دوريات القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان، (اليونيفيل).
وتأتي الصفقة في الوقت الذي تعيد فيه اكتشافات الغاز رسم خريطة الطاقة في البحر الأبيض المتوسط فيما تبحث أوروبا عن مصادر طاقة بديلة عقب غزو روسيا لأوكرانيا. ويمكن لدبلوماسية الغاز أن تؤدي أيضاً إلى إذابة الجليد في العلاقات المتوترة بين إسرائيل وتركيا، حيث يسعى البلدان إلى إحياء خطط جرى التخلي عنها منذ فترة طويلة لبناء خط أنابيب يمر عبر تركيا إلى أوروبا.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن «هذا الاختراق يعني بداية حقبة جديدة من الازدهار والاستقرار في الشرق الأوسط»، لأنه «سيوفر الطاقة الحيوية لشعوب المنطقة والعالم». واعتبر أن الإعلان «يوضح قوة التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات المشتركة في الشرق الأوسط وخارجه». وشدد على أنه «من الأهمية بمكان الآن أن تقوم كل الأطراف بوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق بسرعة والوفاء بالتزاماتها للعمل نحو التنفيذ لصالح المنطقة والعالم».