كتب نذير رضا في “الشرق الأوسط”:
أشعل تصريح لرئيس الوفد اللبناني، المُفاوض في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، العميد بسام ياسين، بشأن الاتفاق الحدودي الأخير، جدلاً واسعاً عندما قارن بين ما حصل عليه لبنان أخيراً، وما كان يمكن أن يحصل عليه بموجب معاهدة 17 أيار 1983 بين لبنان وإسرائيل من مكاسب حدودية، ما أثار ردوداً عليه.
ومعاهدة 17 أيار هي معاهدة أمنية بين لبنان وإسرائيل، توصل إليها الطرفان وأقرّها المجلس النيابي في عام 1983، تشبه بعيد اتفاقية سلام، لكن إقرارها فجّر الخلافات اللبنانية، ما دفع المجلس النيابي لإلغائها في عام 1984.
وتوقّف ياسين عند ما ورد في القسم الأول الفقرة «ب» من الاتفاق الأخير وينص على: «يتفق الطرفان على إبقاء الوضع الراهن بالقرب من الشاطئ على ما هو عليه، بما في ذلك على طول خط العوامات البحرية الحالي وعلى النحو المحدَّد بواسطته».
وقال ياسين، في منشور له في «فيسبوك»، إن اتفاق 17 أيار في هذه النقطة كان أفضل. وأضاف مفسراً البند في الاتفاقية الجديدة: «هذا يعني الموافقة على إبقاء هذه المنطقة (منطقة العوامات التي تمتد إلى حوالي 5 كلم من الشاطئ) تحت الاحتلال الإسرائيلي وإعطائها حرية دخول مراكبها العسكرية إليها، كما هي الحال الآن، وبالتالي اعتبارها منطقة أمنية لها بامتياز».
وأضاف: «مقارنة مع اتفاق 17 أيار ووفقاً للإحداثيات المبيَّنة في هذا الاتفاق عام 1982 (أقرّ في 1983) والموضَّحة على الخريطة، يتبين أن هذه المنطقة بكاملها لا بل منطقة إضافية تقع إلى الجنوب منها، أي جنوب الخط 23، كانت تحت السيطرة الأمنية اللبنانية».
وتابع: «باختصار، اتفاق 17 أيار كان أفضل من هذا الاتفاق بخصوص هذه المنطقة الحساسة. أضف إلى ذلك أبقى اتفاق هوكشتاين الحالي نقطة رأس الناقورة ونقطة الـB1 والنفق السياحي تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتم تأجيل البحث بها إلى أجل غير مسمّى، حيث لن تأتي فرصة سانحة أخرى لحل هذه المعضلة كما هي الحال الآن، والسبب حاجة إسرائيل المُلحة لاستخراج النفط والغاز حالياً من حقل كاريش الذي كان لن يحصل بسبب تهديد المقاومة وأصبح اليوم حقاً مكتسباً للعدو بعد هذا الاتفاق».
وإثر الجدل الذي توسَّع والقول إن الاتفاق السابق أعطى لبنان مساحة بحرية ضمن الخطين: (23) الذي اعتمد في الاتفاق الأخير، و(29) الذي طالب به الوفد اللبناني المفاوض، نفى العميد بسام ياسين، لـ«الشرق الأوسط» أن يكون اتفاق 17 أيار أعطى لبنان حقوقاً في منطقة الخط 29، قائلاً إن الاتفاق السابق «أعطى البحرية اللبنانية مساحة للتحرك في منطقة ساحلية تمتد من رأس الناقورة إلى صور بعمق 6 كيلومترات، ومن ضمنها خط العوامات الذي بقي بموجب الاتفاق الأخير منطقة أمنية تحت الاحتلال الإسرائيلي».
وأضاف ياسين، الذي قاد 5 جولات من التفاوض غير المباشر في الناقورة بين عامي 2020 و2021: «كي لا يُثار أي لبس، تلك هي النقطة الوحيدة التي أتحدث فيها عن اتفاق 17 أيار؛ وهي الاعتراف للبنان بسيادته على تلك المنطقة (خط العوامات)، كما اعترف بنقطة رأس الناقورة الحدودية، رغم أنه أبقاها ضمن منطقة أمنية». وإذ أشار إلى أنه سيوضح موقفه بالتفصيل يوم الأحد المقبل، قال: «اتفاق 17 أيار كان إيجابياً بهذه النقطة الحساسة حصراً؛ لاعترافه بنقطة رأس الناقورة، كونه أعطانا مساحة أطول جنوباً، وهي الزاوية التي أتحدث فيها حصراً».
وخط العوامات، الذي بقي بموجب الاتفاق الأخير منطقة حدودية غير محسومة وتطالب بها تل أبيب كمساحة أمنية، تنطلق من نقطة رأس الناقورة البرية الحدودية، بعمق 5 كيلومترات إلى البحر.
وأثار التصريح التباساً؛ كون اتفاق 17 أيار ينص على إنشاء منطقة عازلة تبدأ من رأس الناقورة الحدودي جنوباً حتى مصب نهر الليطاني جنوباً في منطقة القاسمية، وهي مسافة تتخطى الـ30 كيلومتراً، كما ينص على إنشاء منطقة أمنية بحرية من رأس الناقورة حتى مدينة صور (نحو 20 كيلومتراً) بعمق 6 كيلومترات، تكون تحت سيادة الجيش اللبناني أمنياً حيث تمنع «البحرية اللبنانية» الملاحة البحرية فيها، وتتصدى خلالها لأي مراكب مشبوهة، وتستعين بـ«البحرية الإسرائيلية» حين تحتاج إلى ذلك.
وقال الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، وهي المؤسسة التي نشرت بنود اتفاق 17 أيار بالكامل، إن اتفاق 17 أيار «لم يرسم الحدود البحرية ولم يتحدث عن ذلك، بل اعترف بالحدود الدولية المرسمة مع فلسطين، ثم جرى تثبيتها في اتفاق هدنة 1949 مع إسرائيل، ومن ثم فإن الترسيم البحري لم يكن قائماً قط»، مشدداً، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن اتفاق 17 أيار «لم يأتِ على ذكر ترسيم الحدود البحرية، بل على العكس اعتبر أن هناك منطقة أمنية عازلة حتى 20 كيلومتراً إلى صور، ومن ثم لم يكن الترسيم قائماً».
وينص اتفاق 17 أيار على أن يتعهد كلّ من الفريقين «باحترام سيادة الفريق الآخر واستقلاله السياسي وسلامة أراضيه، ويعتبر أن الحدود الدولية القائمة بين لبنان وإسرائيل غير قابلة للانتهاك».