كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:
فيما يشكّل الدستور المدماك الأساسي لهيكل الدولة والناظم للحياة السياسية وترسيم حدود الحكم وضبط آلياته، عبر احترام الإستحقاقات ومواقيتها، يفتح تقاعس النواب أو بعضهم عن القيام بواجباتهم، الباب أمام تأويلات واجتهادات سياسية، كتلك التي أطلقها رئيس «التيّار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل، مهوّلا بـ»فوضى دستورية» ناجمة عن عدم تشكيل حكومة جديدة تأخذ على عاتقها مهمّة ملء الفراغ الرئاسي في حال شغور كرسي بعبدا. فهل نحن حقّاً أمام مأزق قانونيّ أم هرطقة سياسية في بازار المكتسبات وتسوية الحسابات بين شركاء الحكم المتخاصمين؟ وما هو المقصود بهذه الفوضى الدستورية؟
وفي هذا السياق، يرى عضو تكتلّ «لبنان القويّ» النائب أسعد درغام في دردشة مع «نداء الوطن» أنّ «حكومة تصريف الأعمال غير مكتملة المواصفات، ولا يمكنها بالتالي أن ترث الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية»، مستنداً إلى «تعارض في وجهات النظر بين خبراء الدستور والقانون تجاه هذه القضية»، قائلاً: «لذا نحن متجهون نحو فوضى دستورية».
وبشأن كيفية التعامل مع الحكومة الحالية في ما لو حلّ الشغور الرئاسي، دعا إلى تشكيل حكومة جديدة، كاشفاً أن «هناك مساعي جديّة تدور وقد تكون المحاولة الأخيرة في هذا العهد».
في المقابل، رفض درغام الحديث عن رفع السقوف من قبل باسيل والتهويل باضطراب دستوري لتأمين مكتسبات سياسية، مشدّداً على أن «الوطني الحرّ» لا يبحث في المسائل الوطنية الكبرى عن مصالح شخصية وذاتية للتيّار».
وعن مكمن العقد أو الخلل في تشكيل الحكومة، اعتبر درغام أن «التركيز هو على توفير الأجواء الإيجابية الدافعة لإنجاح هذه المهمّة»، متميناً في الوقت ذاته استمرار الحوارات واللقاءات بين الكتل السياسية والمبادرة التي يقوم بها «لبنان القويّ» للاتفاق حول شخصية رئاسية قادرة على الوصول إلى بعبدا وقطع الطريق أمام أي نزاع دستوري.
في المقابل، يُشدّد المحامي والخبير الدستوري سعيد مالك لـ»نداء الوطن»، على أن «الدستور واضح، وبالتالي لا إمكانية لأي اجتهاد في معرض النص. فالمادة 62 تنصّ على أنه في حال خلوّ سدّة الرئاسة لأي علّة تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء حتى انتخاب الرئيس العتيد».
في هذه الإطار، لفت إلى أنّ «الصلاحيات تنتقل إلى مجلس الوزراء وليس إلى الحكومة»، موضحاً التمايز في أنّ «الأخيرة تتحوّل إلى مجلس وزاري فور انعقادها، وبالتالي تستطيع ممارسة الصلاحيات التسييرية وليس المرتبطة بشخص الرئيس أو بموقعه».
وتابع مالك شرحه للمادة الدستورية المذكورة آنفاً قائلاً إن «الدستور لم يحدّد إذا كان مجلس الوزراء مُكتمل الأوصاف أو العناصر، أو إذا كانت الحكومة في موضع تصريف الأعمال أو العمل الفعلي، وذلك عملاً بمبدأ دستوري بالغ الأهمية في حياة الدول، ألا وهو استمرارية عمل المؤسسات حؤولاً دون الفراغ وحرصاً على سلامة المؤسسات، وهذا ما أكّده المجلس الدستوري في قرارات عدّة، أهمها القرار رقم 1/2005 الصادر عنه بتاريخ 6/8/2005».
وردّاً على سؤال حول وجود ثغرة قانونية كونها لم تحدّد فترة انتخابات الرئاسة، أجاب: «عندما وضع المشترع الدستور، لم يتهيّأ له قطّ أن الشغور سيمتدّ لأشهر أو سنوات كما حصل عقب انتهاء ولايتي إميل لحود وميشال سليمان. إذ اعتقد أن الخلوّ قد يحصل بسبب استقالة الرئيس أو وفاته، كما حصل بُعيد استشهاد بشير الجميّل في 14 أيلول 1982 ليصار إلى انتخاب شقيقه أمين الجميّل بعد أسبوع فقط في 21 منه. وفي 23 تشرين الثاني من العام 1989 اغتيل الرئيس رينيه معوّض، ليُنتخب سلفه الياس الهراوي في اليوم التالي».
في الختام، علّق الخبير الدستوري مالك على موقف باسيل بالقول إن «رئيس التيّار يجاهد من أجل تحصيل مكاسب سياسية في الـ100 متر الأخيرة من السباق الرئاسي، كي يضمن استمراريته في الحياة السياسية قبل أيام على نهاية العهد، فرفع السقوف بوجه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، مهوّلاً بصراع دستوري غير موجود».