كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
أيام قليلة ويدخل لبنان في نفق الشغور الرئاسي الذي سينضَم الى شبكة الأنفاق الداخلية المظلمة. هو المصير المحتوم والمعروف في ظل تعذّر التوافق على هوية رئيس الجمهورية واستحالة انتخابه بأكثرية صافية لا يملكها ايّ من مكونات المجلس النيابي.. فهل سينفع مشروع الحوار الذي يحضّره رئيس مجلس النواب نبيه بري في اختصار مدة الانتظار المكلف؟
غالب الظن، انّ عزم بري على الدعوة إلى حوار وطني حول الاستحقاق الرئاسي سيملأ جزءاً من «الفراغ» بعد 31 تشرين الأول، حيث من المتوقع ان تشكل «الدعوة المفترضة» مادة للاستقطاب الداخلي وللنقاش السياسي، مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون وتعذّر انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية.
وبهذا المعنى، فإنّ جلسات الحوار، اذا اكتمل نصابها السياسي، ستحلّ مكان جلسات الانتخاب غير المجدية والتي تستمر في الدوران حول صندوق الاقتراع الى حد الدوار، من دون أن تَلد الرئيس المرتقب للجمهورية.
ومبادرة بري الحوارية، في حال تم تلقّفها بإيجابية، ستكون أمام خيارين، فإما ان تشكّل فرصة لِلبننة الاستحقاق الرئاسي وتخفيف المؤثرات الخارجية عليه، الأمر الذي يضع القوى السياسية المعنية أمام تحدي تحمّل المسؤولية وإثبات قدرتها على اختيار رئيس «صُنع في لبنان»، وإما ان تتحوّل تلك المبادرة وسيلة لملء الوقت الضائع وتقطيعه في انتظار نضوج الظروف الملائمة لإنجاز الاستحقاق ووصول «كلمة السر» المستوردة من عواصم القرار خصوصاً انه من المرجّح ان يزداد دور الخارج اتساعاً وتأثيراً عقب الدخول في مرحلة الشغور.
وليس معروفاً بعد ما اذا كانت كل الكتل الاساسية ستتجاوب مع طرح بري، علماً انّ مقاطعة بعضها قد تعطّل فرصة الحوار من أساسها، مع الاشارة الى انّ هناك من يعتبر انّ تجارب الحوار السابقة أثبتت عدم جدواها، وبالتالي لا طائل من تكرارها، إضافة إلى انّ البعض يرفض أصلاً مبدأ التسوية والتوافق على هوية الرئيس المقبل.
ولكن من سيرفض التجاوب مع دعوة بري سيكون مُحرجاً وسيظهر كأنه يعرقل إمكان انتخاب رئيس الجمهورية، خصوصا انّ الوضع الاقتصادي المُنهار لا يمنح احداً ترف حرق المبادرات، من دون أن يكون لديه بديل واقعي.
ويلفت المتحمّسون لاقتراح الحوار الى انه الإطار العملي الوحيد لمحاولة التفاهم على اسم للرئاسة، وسط تَشظّي المجلس النيابي الى أقليات مبعثرة لا يملك اي منها القدرة على فرض خياره. وبالتالي، فإنّ تكوين الاكثرية المطلوبة للإتيان برئيس جديد يتطلّب نسج تقاطعات بين اكبر عدد ممكن من الكتل النيابية، وهذا لا يتحقق إلّا عبر الحوار الذي، ولو انه تعثّر من قبل، فإنّ ذلك لا ينفي أهميته ووجوب الاحتكام اليه عند الضرورة.
وبمعزل عن المصير الذي سيؤول اليه الاقتراح بعَقد طاولة لَمّ الشمل، يبدو واضحا ان بري أراد عبر هذا «الأرنب الحواري» ان يُبرّئ ذمّته وان يبلغ الى من يهمه الأمر انه أدّى واجبه كرئيس للمجلس، وعلى الآخرين ان يتحملوا مسؤولياتهم وتَبعات مواقفهم.
وفي حين خضع توقيت حوار بري الى الاجتهادات والتأويلات، ينقل زوار رئيس المجلس عنه توضيحه انه لم يَدع الى طاولة حوار في شأن الملف الرئاسي قبل نهاية العهد، «من باب اللياقة واحتراماً للرئيس ميشال عون الذي هو رئيس البلاد حتى 31 تشرين الأول»، وهذا ما أبلغه بري الى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل عندما استقبله في عين التينة على رأس وفد من التيار.
ويشير بري الى انّ طاولة الحوار المرتقبة ستُعقد في المجلس النيابي او في عين التينة بمشاركة رؤساء الكتل الممثلة في المجلس. لكنه يلفت الى ان توجيه الدعوات رسمياً سيحصل بعد ان يشعر أنّ الظرف ناضج للحوار، وان لدى الكتل استعداداً للحضور، وان هناك حداً أدنى من احتمال النجاح.
ويعوّل بري، وفق زواره، على الحوار للسعي أقلّه الى تخفيف منسوب التشنج والاحتقان في البلد، تمهيداً للتوافق على مواصفات الرئيس واسمه. ويعتبر ان المطلوب هو ان يقفل المتحاورون هواتفهم، وان تُغلق الأبواب عليهم ويضعوا هواجسهم وما في قلوبهم على الطاولة حتى يكون الحوار صريحاً ومُنتجاً.