كتبت رحيل دندش في “الأخبار”:
عبارة تتكرّر على ألسنة كثيرين من روّاد محالّ بيع الخضار، مشيرة إلى مخاوف الناس من شراء الخضار والفواكه منذ الإعلان عن التفشي المتسارع لداء الكوليرا. تخوّف انعكس سلباً على محال بيع الخضر، حيث تراجع الإقبال على شراء الورقيات بشكل خاص.
«الله يرحم أيام الكورونا، على الأقلّ كنا نعرف كيف نتجنبّه، أما الآن فالماء الذي نشربه والطعام الذي نقدر على شرائه صارا مصدر خطر، فماذا تبقى لنا؟» تسأل ربة منزل كانت تشتري الخضر، مؤكدة عدم قدرتها على «تمييز الخضار الجيدة من السيئة، فهل أتّكل على ذمة البائع؟». تشكو سيدة أخرى «ما عدنا نعرف همّ شو بدنا نعتل، حتى غليان المياه للتعقيم بدو غاز». وتؤكد ثالثة أنّه «من عشرة أيام لم يعرف بيتي البقدونس والبندورة والخيار. لم نعد نأكل إلا الحبوب».
يقول أبو علي خلف، صاحب محالّ لبيع الخضار في بيروت، إن بيع الخضار الورقية كالبقدونس والكزبرة والخس والنعنع… تراجع بنسبة كبيرة منذ أسبوع «لأن الناس خايفة وتأخذ الاحتياطات». ويحذّر من الأسوأ «لأن الخضر ستأتي بعد نحو 10 أيام من مناطق عكار التي تغطي 70% من حاجة السوق، وبعض عيّنات المياه كما كشفت وزارة الصحة كانت ملوّثة بالكوليرا، ما يعني أنّ هناك مخاوف حقيقية منها». ويحمّل خلف المسؤولين في الدولة المأساة التي يتعرض لها المزارعون وأصحاب محالّ بيع الخضر. «اليوم، أغلب الخضر في السوق قادمة من البقاع وجبيل وعكار، وأغلبها تسقى بمياه ملوّثة وهذا ليس جديداً، وبدل معالجة جذر المشكلة يحذّرون الناس من الخضر».
الريّ بالمياه الملوّثة ليس جديداً، ومن المعروف أنّ غالبية الزراعات تقع في البقاعين الأوسط والشمالي، ومنها أكثر من 5000 هكتار محاذية لنهر الليطاني، وتُروى منه. والمياه هناك عبارة عن خليط من مياه الصرف الصحي ومخلفات المصانع والمستشفيات، فيما بعض الأراضي محاذية لمحطة إيعات لتكرير الصرف الصحي المعطلة. أما شمالاً، فتروى المزروعات من قناة ريّ نهر البارد الملوّثة أيضاً بالصرف الصحي.
يذكّر رئيس مجلس إدارة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، سامي علوية، بأنه بدأ بتوجيه كتب سنوية إلى الوزارات والإدارات المعنية لمنع ريّ المزروعات من نهر الليطاني، وأنه كان يصدر قراراً بمنع ريّ هذه المزروعات من النهر «وكانت الدولة تؤازرنا بإتلاف بعض المزروعات، لكن للأسف هذا القرار لم يطبق كما يجب لعدم قدرة القوى الأمنية ولاتساع رقعة الأراضي الزراعية، وسطوة المزارعين».
اليوم، بحسب علوية، «يجب منع ريّ المزروعات من مياه نهر الليطاني وروافده منعاً تاماً، وضرورة تأمين مقتضيات الأمن الصحي وجودة مياه الريّ وسلامة الغذاء، وفي الوقت نفسه تأمين بدائل للمزارع، فالدولة لم تنشئ أيّ مشروع ريّ، ووزارة الطاقة لم تسمح بحفر بئر إلا لمن يملك سطوة وواسطة قوية»، داعياً إلى «أن تسهل وزارة الطاقة والمياه تطبيق القانون 192/2020 لجهة ترخيص الآبار ليتمكن المزارعون من تأمين مياه نظيفة لري المزروعات».
وفي الشمال، حيث تكبر المخاوف، يؤكد المدير العام لمؤسسة مياه لبنان الشمالي، خالد عبيد، أن أغلب المزارعين يروون أرضهم من آبار خاصة وعيون طبيعية، «لكن في بعض الأماكن يصبّ الصرف الصحي في نهر أو وادٍ أو جوَرٍ صحية، تطوف وتذهب إلى الأراضي وتلوّثها». ويلفت إلى أن سدّ المنية الذي يروي منه المزارعون «ملوّث، وهذا ليس جديداً كون الأقنية المكشوفة معرضة للتلوّث». إلى هذا السدّ، كشفت وزارة الصحة عن تلوّث بعض العيون المخصصة للشرب بالكوليرا.
وتكشف مصادر في وزارة الزراعة عن «طلب مقدّم إلى وزارة الصحة لتحديد المناطق الموبوءة، والقيام بناءً عليه بمسح لتحديد المزروعات في هذه المناطق وإجراء فحص للتربة والمياه والكشف عن مصدر المياه والمنتج الزراعي وتلف ما يتبيّن تلوّثه وتقديم تعويضات للمزارعين على المحاصيل التالفة». ومن المفترض أن تخصّص وزارة الطاقة جزءاً من الفيول لتشغيل محطات تكرير الصرف الصحي، أحد مسبّبات الأزمة.