كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
بعدما أتمّ الغرب إتفاق الترسيم البحري وضمن أمن الحدود الشمالية مع إسرائيل، فليس من المتوقع أن يكون لبنان في صدارة الإهتمام في ظل الإنشغالات الدولية. جلّ ما يشغل بال الغرب والدول العربية المعنية بلبنان هوالوضع الأمني. حديثاً، دعا مرجع نيابي حليفه للعمل على إقناع رئيس «التيار الوطتي الحر» جبران باسيل بانتخاب رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية وإلا سيكون الخيار الثاني أصعب.
من الأساس لم يكن الغرب متحمساَ لولادة الحكومة. جهات مقربة استنتجت أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي فقد حماسته لتشكيل حكومة جديدة لتلمّسه أجواء دولية تعطي الأولوية لانتخاب رئيس جمهورية، وهي عبّرت عن خشيتها صراحة أمام رئيس الحكومة وآخرين عن تخوّف المجتمع الدولي من أن يكون تشكيل الحكومة سبباً لتأخير إنتخاب رئيس للجمهورية. وقبل أيام سأل وزير في الحكومة ميقاتي «من الآخر هل هناك حكومة» فكان رده «من الآخر لا حكومة». في الفترة الأخيرة تلاقى الجميع على العوم عكس رغبة «حزب الله» بتشكيل حكومة. حتى الساعات الأخيرة قبيل نهاية العهد كان يأمل في الفرج الى أن أصيب بخيبة أمل.
في الأسباب المعطلة لا يُلقي «حزب الله» المسؤولية على طرف دون آخر. مبادراته اصطدمت بإصرار باسيل على عدم منح الثقة للحكومة بحجة أنّ الوزراء الجدد ممن ستتم تسميتهم هم وزراء رئيس الجمهورية وليس «التيار الوطني الحرّ». وأظهر ميقاتي عدم حماسته ومرد ذلك إلى عوامل خارجية. أمّا رئيس مجلس النواب نبيه بري فهو في حالتي استمرار حكومة تصريف الأعمال أو تطعيمها بوجوه جديدة، كان سيتكفّل بإيجاد المخرج الدستوري لعملها.
وخلال الأيام الماضية بقي «حزب الله» وحيداً في الميدان يحاول إنقاذ الوضع بالتوفيق بين ميقاتي وباسيل لإخراج الحكومة ولو بعملية قيصرية لكنّه مني بخيبة كبرى. كلما وافق باسيل على اقتراح من اقتراحاته خالفه ميقاتي، والعكس صحيح. وعلى هذه الحال استمر «حزب الله» في مسعاه مصراً أمام المستفسرين على أنّه لا يزال هناك متسع من الوقت وأنّ الأجواء توحي بالإيجابية الى أن توقفت محاولات المعاون السياسي الحاج حسين الخليل ورئيس وحدة الإرتباط وفيق وصفا، فأطفأ «حزب الله» محرّكاته وصار موضوع الحكومة في علم الغيب. وتحسباً للآتي من الأيام وتجنباً للإنزلاق نحو أزمة هو بغنى عنها، زار الحاج حسين الخليل ميقاتي مؤخراً متمنياً عليه تجنّب احراج نفسه واحراجهم بالدعوة إلى جلسة حكومية فوعد بألا يفعل ذلك إلّا في حال الضرورة الأكثر من قصوى.
في تفسيره يعتبر «حزب الله» أنّ تغير حسابات العناصر الفاعلة في الملف الحكومي صعّب الموقف. تغيّرت حسابات باسيل الذي بات يرى مصلحته في تأخير انتخابات الرئيس ما يعزز حظوظه الرئاسية. رغبته في الترشح وصلت أصداؤها الى الحليف أي «حزب الله». في حسابات باسيل أنّ التمهل في إنتخاب الرئيس سيحسّن شروطه وتموضعه في الشارع المسيحي .
باكورة البحث الجدي في موضوع الرئاسة كانت في الجلسة الأولى التي عقدها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله مع باسيل والتي لم تكن نتيجتها بالشكل المرجو. مثل هذه الجلسات ستتوالى تباعاً الى أن يقضي الله أمراً في الشأن الرئاسي. في التحليل الاولي والذي لن يكون بعيداً عنه «حزب الله» هو أنّ باسيل بدأ معركة الرئاسة وهو وإن لم يعلنها بعد لكن ترشيحه وارد وهو يتعاطى على هذا الأساس وقد مهّد له عمه رئيس الجمهورية السابق ميشال عون بتوقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة والحديث عن أن انتخابه سيزيل العقوبات الأميركية المفروضة عليه حكماً.
رفض ترشيح فرنجية
بعد مشهد الحشد أمس الأول سيصر باسيل على رفض ترشيح فرنجية ويعتبر أن لا مفاضلة بينه وهو رئيس كتلة برلمانية ويمثل شعبياً، وبين فرنجية . إنتقل باسيل خلال اليومين الماضيين من موقع فعّال سياسياً ورئاسياً الى موقع فعال آخر وصعّب مشوار الرئاسة على «حزب الله» وأحرجه بفتح المعركة في مواجهة بري مجدداً. في سرّه يتمنى لو لم ينجح باسيل في استدراجهم الى حيث يرغب. في مجلس خاص نُقل عن السيد نصر الله قوله إنّ أي محاولة للإيقاع بين «أمل» و»حزب الله» هي ضرب من المستحيل، وتذهب بعض المصادر المعنية حد القول إنّ مثل هذا الفعل هو بمثابة حرمة شرعية صدرت فتوى بشأنها من الولي الفقيه.
كما كان المشهد الحكومي كذلك وضع الرئاسة في ميزان «حزب الله» حيث الارباك في التعاطي وفي الأسماء المرشحة، والسؤال الملح: كيف سيتعاطى «الحزب» في ما لو أعلن باسيل ترشيحه وكيف له أن يفاضل بين مرشحيْن حليفيْن؟
بالتحليل الأولي يدرك باسيل أنّ رهانه في الوقت الحاضر على الرئاسة ضرب من الخيال. ناهيك عن العقوبات المفروضة عليه فإن ترشيحه سيصطدم بكتلة معارضة داخلية تبدأ ببري ولا تنتهي برئيس الإشتراكي وليد جنبلاط و»القوات اللبنانية». يعول على الخارج. انفتاحه على قطر التي دخلت شريكاً أساسياً في اتفاق النفط بمباركة أميركية وفرنسية. هنا أيضاً ستتصدى السعودية لهذا الترشيح بقوة وقد رفعت سقف التحدي بالدخول شريكاً في الرئاسة الأولى ولها الكلمة الفصل في تسمية رئيس الحكومة المقبل الذي عليه أن يشكل حكومة من دون «حزب الله».
محاولات «حزب الله» الرئاسية لا تزال في بداياتها، ومخاض «الحزب» العسير هو الممر الإلزامي لأي توافق باسيلي بامتياز. الأمل بإقناعه ليس مفقوداً بعد والأبواب لم توصد والحديث لا يزال في بدايته ولكن لباسيل كلاماً آخر ومختلفاً. ابتداء من اليوم سيبدأ رئيس «التيار» مشواره السياسي المختلف وسيكمل الطريق التي شقّها له الرئيس السابق ميشال عون في ساعاته الأخيرة. وضع «حزب الله» صعب مع حلفائه وعزاؤه أنّ وضع الخصوم أصعب وأكثر تعقيداً ما يفرض التعطيل والتعطيل المقابل.