كتبت ملاك عقيل في موقع “أساس”:
لم يَعد هناك من ضوابط تحكم حالة الفوضى الدستورية والسياسية بدءاً من ليل الإثنين – الثلاثاء مع نهاية ولاية ميشال عون الرئاسية: لا رئيس في بعبدا. لا حكومة أصيلة في السرايا. لا اجتماعات لمجلس الوزراء “إلا عند الضرورة القصوى”. ولا “أخ أكبر” إقليمي – دولي حاضر لتقديم وَصفة التسوية المنتظرة.
عبثية مطلقة
هي سوابق تجرّ سوابق غير مألوفة في تاريخ العهود الماضية تتجاوز في عبثيّتها كلّ التخبيصات والموبقات التي ارتُكبت منذ التسعينيّات. كانت آخر السوابق مغادرة الرئيس نجيب ميقاتي أمس بيروت على رأس وفد كبير للمشاركة في الأعمال التحضيرية لقمّة الجزائر بصفته رئيساً مكلّفاً تشكيل حكومة، فيما يجلس اليوم إلى طاولة القمّة العربية في الجزائر بصفته رئيس حكومة تصريف أعمال فقط، بعدما سقطت صفة التكليف عنه في أولى لحظات الشغور الرئاسي لأنّ الشريك الدستوري المفترَض أن يوقّع معه مراسيم تشكيل الحكومة بات رئيس جمهورية سابقاً يستعدّ مع فريقه السياسي إلى شنّ “حرب” ضدّ “المنظومة”، من مقاعد المعارضة وهذه المرّة.
حتّى المواعيد التي حدّدتها الرئاسة الثانية لميقاتي مع العديد من رؤساء ووزراء الدول المشاركة في القمّة ستكون مطعوناً سياسيّاً في “شرعيّتها”، حسب فريق قانوني ودستوري عوني يرى أنّ ميقاتي لم يعد له أيّ صفة “دستورية” تخوّله التكلّم باسم الحكومة اللبنانية. وهذا واقع يتعارض مع رأي دستوري “طابش” أكثر يؤكّد أنّ توقيع الرئيس عون المرسوم 10942 بقبول “اعتبار الحكومة مستقيلة” لا قيمة دستورية، له لأنّه لا يتخطّى الإطار “الإعلاني” فقط ولا يغيّر شيئاً من الواقع الدستوري للحكومة.
ستنتقل “العبثيّة” بطبيعة الحال إلى مجلس النواب مع تحديد الرئيس نبيه برّي يوم الخميس موعداً لمناقشة رسالة رئيس صار رئيس جمهورية سابقاً.
ماضي أيام أتت
ستختلف فحوى ردّ رئيس مجلس النواب عن فحوى ردّه على الرسالة التي سبق أن وجّهها عون في أيار 2021 في شأن “عرقلة الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، والطلب باتّخاذ الإجراء المناسب”.
لم تتضمّن الرسالة يومها طلباً مباشراً بنزع التكليف. لكنّ الحريري، بتنسيق مع برّي، تَرجَمها على طريقته: “في الشكل، نحن أمام رئيس للجمهورية يمارس حقّاً دستورياً، لكن في الحقيقة، نحن أمام رئيس للجمهورية يقول للنواب: سمّيتم رئيساً للحكومة، أنا لا أريده، ولن أسمح له بتشكيل حكومة، تفضّلوا وخلّصوني منه”.
هذا الواقع ينطبق تماماً على حالة ميقاتي لكن مع فارق جوهري في وضعية رئيس الجمهورية الذي صار خارج قصر بعبدا، وبالتالي يستحيل تشكيل حكومة في غياب الشريك الدستوري.
لكن ماذا فَعَل يومها برّي؟ مُستنِداً إلى الدستور اعتبر رئيس مجلس النواب أنّ “أيّ موقف يطال التكليف وحدوده يتطلّب تعديلاً دستورياً لسنا بصدده اليوم”، مؤكّداً “المضيّ قدماً وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلّف للوصول سريعاً إلى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”.
أعادَ برّي الكرّة بعد توجيه عون رسالة أخرى في آب 2021 تتعلّق بـ”الطلب من المجلس مناقشة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بعد إعلان حاكم مصرف لبنان رفع الدعم عن الموادّ الحياتية والحيوية، واتخاذ القرار أو الموقف أو الإجراء المناسب”، فكان ردّ برّي بـ”الإسراع بتشكيل حكومة، وإطلاق البطاقة التمويلية وتحرير السوق”.
كيف سيتصرف بري؟
وفق المعلومات، ستختلف مقاربة برّي لرسالة عون يوم الخميس المقبل وسيستبدل مطلب الدعوة إلى تأليف حكومة (غير ممكن حالياً) بمطلب “التوافق على انتخاب رئيس جمهورية جديد واستغلال منبر مجلس النواب لتأكيد الدعوة إلى الحوار كممرّ إلزامي يواكب أيّ تسوية ممكنة”. وسيكون هناك كلمة لميقاتي يفنّد فيها الأخطاء الدستورية الواردة في الرسالة.
في مضمون رسالة عون إلى مجلس النواب اتّهامٌ مباشر لميقاتي بمخالفة الدستور والسطو على صلاحيات رئاسة الجمهورية، ودعوة فورية إلى “انتخاب رئيس للجمهورية أو تأليف حكومة في اليومين المتبقّيين من الولاية”.
ومقابل ما ستفزره جلسة الخميس ثمّة تأكيدات من جانب محيط الرئيس عون والنائب جبران باسيل أنّ “الشروط التي ستحكم من الآن وصاعداً انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومات لن تنزل عن سقف المرحلة حين كان عون رئيساً للجمهورية”، مع التسليم سلفاً بأنّ “إدارة برّي لجلسة تلاوة رسالة عون ولمرحلة الفراغ الرئاسي والحكومي ستكون دون مستوى خطورة الوضع. وهذا أمرٌ محفّزٌ لنا لملاحقة المرتكبين والمقصّرين والمتآمرين حتى منازلهم”، ويرفع هؤلاء الـ”لا ثقة” بوجه إعلان ميقاتي الاكتفاء بتصريف الأعمال فقط من دون المسّ بصلاحيات رئاسة الجمهورية تحت عنوان الضرورة القصوى.