Site icon IMLebanon

ما بعد بعبدا ليس كما قبلها

كتب حبيب البستاني في “اللواء”:

في الوقت الذي غادر فيه فخامة الرئيس العماد ميشال عون قصر بعبدا بهدوء ورويّة وحضارة اتسم بها جمهوره الكبير من التيار الوطنيّ الحرّ، وفي الوقت الذي التزم به العماد عون بكل الأعراف والأصول الدستورية إن من ناحية التوقيت أم من ناحية الصلاحيات، فالرئيس مارس صلاحياته حتى الربع ساعة الأخير من الولاية، وكانت رسالته إلى مجلس النواب ورئيسه خير دليل على ذلك، والذي طالب فيها باعتبار التكليف باطلاً وضرورة اتباع أمر من أمرين، إمّا سحب التكليف من يد رئيس حكومة تصريف الأعمال أو ضرورة أن يضطلع الرئيس المكلف بمسؤولياته في تأليف حكومة قبل منتصف ليل الإثنين 31 تشرين الأوّل تاريخ انتهاء الولاية، وذلك انطلاقاً من مبدأ أنه لا تكليف بدون تأليف.

بالشكل لقد احترم رئيس المجلس الأصول الدستورية بالدعوة لعقد جلسة لقراءة رسالة رئيس الجمهورية واتخاذ الموقف المناسب منها، أما في المضمون فإن تعيين يوم الخميس في 3 تشرين موعداً لعقد هذه الجلسة قد أفقد الجلسة من مضمونها فالرسالة أرسلت لاتخاذ موقف منها وذلك قبل انتهاء ولاية الرئيس وليس بعدها، وبالتالي فإن عقد جلسة بعد هذا التاريخ يفقد الرسالة من مفاعيلها المرجوة، وبالتالي يساهم في خلق مادة سجالية جديدة بدلاً من إيجاد إطار دستوري للحل يجنّب البلاد من الوقوع في الفراغ، ويؤدي إلى استلام الحكومة لصلاحيات رئيس الجمهورية بصورة قانونية وشرعية.

وبعيداً من السجال السياسي والدستوري وفي ظل استحالة تشكيل حكومة جديدة في ظل الفراغ في موقع الرئاسة الأولى، فإنذّ الأمور ذاهبة إلى مزيد من التعقيد لعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل التشرذم الحاصل في المجلس النيابي، حيث لا وجود لأكثرية طاغية إنما أقليات غير متفقة وغير منسجمة وغير متحمّسة للاتفاق حول إسم الرئيس أقلّه في المدى المنظور وحتى كتابة هذه السطور. فهل نحن وكما في معظم الأحيان بحاجة لراعٍ أو رعاة إقليميين أو دوليين لا فرق لتسهيل عملية الانتخاب وإسقاط الإسم المراد انتخابه رئيساً على رؤوس الجميع؟. وفي الوقت الذي تعلن مختلف الكتل النيابية عن نيّتها في انتخاب رئيس «صنع في لبنان»، فإن أياً منها لا يعمل جدّياً في هذا الاتجاه، وحتى النواب “التغييريين” بين مزدوجين والذين تقدموا بخطة وكانوا أول من قام باتصالات وزيارات لمختلف الكتل لانتخاب رئيس، ضربهم التشرذم وباتوا اليوم الأكثر حاجة لجمعهم فيما يردد معظمهم الأغنية الشعبية “اللي جمعنا يفرّقنا”.

في ظل هذا الواقع المأزوم وبعيداً عن طرح أسماء الغاية منها إما التحدي وإما القول أن هنالك أكثر من إسم وأكثر من مرشح باستطاعته تبوؤ الرئاسة، فإن المطلوب اليوم هو الاتفاق على خارطة طريق تؤدي لإنجاح الانتخاب وليس لعرض العضلات، ولقد أصبح مطلوباً اليوم وأكثر من أي وقت مضى لا سيما بعد سحب المبادرة الحوارية لرئيس المجلس نبيه بري، أن تقوم المرجعية المسيحية أي بكركي بالإضطلاع بمسؤولياتها وممارسة دورها في تقريب وجهات النظر بين المرشحين الموارنة “الطبيعيين”، على أن تبتعد بكركي عن دعم أو إعلان دعمها لهذا المرشح أو ذاك. صحيح أن المهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة وهي في كل الأحوال تستأهل المحاولة ولا سيما أن الأفرقاء السياسيين من مختلف الطوائف لا يمكن إلّا أن يباركوا ما يتفق عليه الزعماء الموارنة.

قد يقول البعض أن اتفاق الموارنة أو زعمائهم هو من سابع المستحيلات ولكنهم وفي أضعف الإيمان إذا لم يتفقوا على واحد منهم فإنهم يستطيعون الاتفاق على رئيس يدعمونه، على أن يكون هذا الرئيس ممثلاً لبيئته وقوياً في داخلها وأن لا يُشكّل تحدّياً لأي من الأفرقاء اللبنانيين.