شدد الرئيس فؤاد السنيورة على اهمية “مؤتمر منتدى الطائف” الذي انعقد في قصر الاونيسكو في بيروت، “بمبادرة طيبة من معالي سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري، لمناسبة مرور 33 عاما على إقرار اتفاق الطائف، وهو الذي انعقد بمشاركة وحضور الأخضر الإبراهيمي الذي شارك في التحضير لهذا الاتفاق كونه كان آنذاك اميناً عاماً مساعداً لجامعة الدول العربية، وبصفته تلك كان يعمل باسم الجامعة لصالح إنجاز هذا الاتفاق. علماً أنّ الاتفاق تمّ التوصل إليه برعاية اللجنة الثلاثية المؤلفة من جلالة الملك فهد بن عبد العزيز، وأيضاً جلالة الملك الحسن الثاني والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد رحمهم الله”.
وأكد في حوار مع قناة “الاخبارية السعودية” “أهمية هذا الاتفاق وأهمية التمسك به، كونه الوثيقة الأساسية التي وافق عليها اللبنانيون، والتي تضمن العيش المشترك في ما بينهم وتحميه. لذلك، فإنّ أهميته لا تقتصر كونه أنهى الحرب اللبنانية التي دامت سنوات طويلة، لكنه وضع حداً للتنازع التاريخي بين أولويتين لدى اللبنانيين. أولوية نهائية الكيان اللبناني وأولوية الانتماء العربي. ونتذكر هنا ما قاله الصحافي الشهير جورج نقاش في العام 1947، الذي حدّد تلك الإشكالية بالتساؤل: كيف يقوم وطن على سلبيتين وهما لا لاستمرار الانتداب الفرنسي ولا للوحدة مع سوريا. ولذا، فإنّ اتفاق الطائف حلّ هذه الإشكالية بطريقة إعجازية بتحويل السلبيتين إلى إيجابيتين.”
واوضح السنيورة أن “هذا الفضل يعود للرعاة الثلاثة وفي مقدمهم الملك فهد بن عبد العزيز، بحيث جرى التوصل إلى هذا النص الذي يقول بأولوية نهائية الكيان اللبناني وأولوية انتماء لبنان العربي. وهذا الاتفاق أقرّه مجلس النواب اللبناني، وحيث تحولت معظم نصوصه لتصبح جزءاً من الدستور اللبناني، وبذلك أصبح الميثاق اللبناني جزءاً من الدستور”.
إلى ذلك، شدد على ان “هذا الاتفاق كان بالفعل صناعة لبنانية حقيقية، وأن الدعم العربي والدعم الدولي الذي توفر في اجتماع النواب اللبنانيين في الطائف، وحيث يتم التوصل إلى هذا الاتفاق، والذي جرى بعدها إقراره في جلسة نيابية عقدت في لبنان لإقرار هذا الاتفاق وإقرار التعديلات الدستورية. المشكلة التي واجهناها في لبنان، ومنذ أن تم إقرار هذه الوثيقة، والتي أصبحت جزءاً من الدستور في العام 1990 كان بسبب التدخلات والاستقواء وفي مرحلة أولى من قبل الوجود العسكري السوري، وبعدها بسبب الوجود العسكري الإيراني عبر حزب الله اللذان عرقلا تطبيقه بشكل صحيح وعرقلا استكمال تطبيقه. مضافاً إلى ذلك الممارسات الخاطئة، والتي كانت تحصل خلافاً للنصوص الواردة في اتفاق الطائف وفي الدستور.”
وأضاف: “من جهة ثانية، لم يجرِ أي عمل جدّي من أجل استكمال تطبيق اتفاق الطائف. واليوم يواجه لبنان أيضاً مشكلة جديدة، وهي تكرار مشهد الشغور في موقع رئاسة الجمهورية. لذلك، فإنّ الأولوية الأساسية الآن في لبنان تكمن في وجوب التوصل إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية يؤمن فعلاً باتفاق الطائف وليس على النسق الذي عانينا منه في لبنان في حالة الرئيس العماد ميشال عون الذي – وعلى ما ظهر من ممارساته أنه بالفعل كان ثابتاً – على معارضته لاتفاق الطائف منذ العام 1989، وكأنه لم يغادر موقعه الذي كان فيه في ذلك العام”.
كما سئل: هل من الضرورة أيضاً أن يكون هناك ايمان كامل بإحياء الاتفاق الطائف بشكل كامل وليس انتقائي، وأجاب: “من دون أدنى شك، ضروري جداً أن يكون لديه إيمان كامل بهذا الاتفاق. فالرئيس هو الشخص الوحيد الذي يقسم على احترام الدستور الذي انبثق بصيغته الجديدة عن اتفاق الطائف. والرئيس هو المكلف الأساسي- وحسب ما جاء في نصّ الدستور- في السهر على احترامه. وبالتالي، فإنّ من أهم المهام المناطة برئيس الجمهورية، هي في الحرص على احترام هذا الاتفاق، والتأكيد على أن يصار إلى تطبيقه تطبيقاً صحيحاً. وهو الذي ينبغي عليه أن يحرص على الالتزام بكل بنوده واستكمال تطبيق هذه البنود تطبيقاً صحيحاً.”
وتابع السنيورة: “هذا كلّه يفترض أن يكون رئيس الجمهورية مؤمناً بالدستور وأميناً على قسمه. من الضروري والمهم التأكيد هنا على الكلام الأساسي الذي أدلى به معالي السفير بخاري، وذلك بعد أن ظهرت في المرحلة الأخيرة محاولات كثيرة للتشويه وحرف الانتباه وللتعكير على هذا الاتفاق. وذلك بالإيحاء بأنّه هناك محاولات من أجل أن يصار إلى الدعوة إلى عقد مؤتمر حوار يعقد خارج لبنان من أجل البحث بهذا الاتفاق. والحقيقة أنّ اللبنانيين تحاوروا وتوصلوا إلى هذا الاتفاق، ولا يجوز العودة إلى فتح موضوع اتفاق الطائف من جديد. إذ أنّ الأولوية الآن في هذا الخصوص هو في العمل على التأكّد من تطبيقه تطبيقاً صحيحاً وغير انتقائي أو استنسابي، وأن يصار إلى استكمال تطبيقه. ولذلك، مهم ما قاله السفير بخاري بأنه نفى وجود أي مسعى لدى الفرنسيين في الدعوة لانعقاد مثل هذا الحوار”.
ورأى أن “اتفاق الطائف هو الحلّ الحقيقي لمعالجة المشكلات التي يعاني منها لبنان اليوم. والأولوية هي المسارعة إلى أن يتم انتخاب الرئيس الجديد. ومع هذا الانتخاب الجديد يجب أن يصار إلى البدء باستعادة سلطة وحضور الدولة اللبنانية الواقعة حالياً تحت تأثير وهيمنة دويلة حزب الله. الحقيقة الساطعة الآن، هي أن الدولة اللبنانية أصبحت مخطوفة والواجب استعادتها لكي تمارس صلاحياتها ودورها في حماية اللبنانيين في حاضرهم ومستقبلهم. إذ لا يجوز على الإطلاق الاستمرار في هذه الازدواجية في السلطة. وبالتالي لبنان بحاجة ماسة لأن تكتمل لديه السلطات الدستورية بداية في رئاسة الجمهورية، وبعدها في تأليف الحكومة، وأن يبدأ العمل الجاد في اعتماد الإصلاحات الضرورية التي يحتاجها لبنان في مختلف المواضيع الوطنية والسياسية والاقتصادية والإدارية والمعيشية”.
سئل: هذا الاتفاق الذي أوقف الحرب اللبنانية كما أشرت سابقا، ولكن هل تفاقم هذا التعطيل من خلال “اتفاق الدوحة” برأيك، وذلك بحكم انه سمح لـ”حزب الله” وحلفائه بتعطيل وشل الدولة بحكم ما منحة من مقاعد وزارية لقوى “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”؟
أجاب: “من دون أدنى شك أن الاتفاق الذي جرى في الدوحة استغله البعض للإمعان في اختطاف الدولة اللبنانية وفرض سيطرته عليها. إذ كان يفترض باتفاق الدوحة أن يسهم في حلّ المشكلة التي طرأت بعد احتلال بيروت من قبل “حزب الله”. وكذلك، فقد جرى التأكيد في اتفاق الدوحة عدم جواز استعمال القوة العسكرية لتغيير الموازين السياسية في لبنان. ولذلك ينبغي العودة إلى اعتماد الأصل، أي إلى ما نصّ عليه اتفاق الطائف والدستور، وليس استعمال اتفاق الدوحة من أجل تعطيل ما جرى الاتفاق عليه في الطائف. وذلك عبر ما جرى الترويج له واعتماده بما خصّ الثلث المعطل في الحكومة لفرض هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية. وهذا يعني أن هناك من يعمل جاهداً من أجل التعطيل ومنع التوصل إلى أي قرار داخل مجلس الوزراء إذا لم يكن موافقاً عليه حزب الله”.
وأضاف: “المعروف في الأنظمة الديموقراطية البرلمانية في مختلف بلدان العالم أن يصار إلى اعتماد قاعدة أساسية، والتي ينصّ عليها أيضاً الدستور اللبناني المنبثق من اتفاق الطائف، وهي أنّ القرارات بمجلس الوزراء تؤخذ بالتوافق وإذا تعذر يعتمد التصويت. وبالتالي ليس مقبولاً أن يصار إلى السيطرة على مجلس الوزراء أو ما يسمى تشريع تسلّط الأقلية على الأكثرية على قاعدة الثلث المعطل للحؤول دون اتخاذ أي قرار لا يوافق عليه حزب الله وحلفاؤه. وهذا للأسف هو ما شهدناه من ممارسات في لبنان منذ اتفاق الدوحة. لذلك، فإنّ هذا التسلط الذي يمارسه البعض على الدولة اللبنانية، ويؤدي في المحصلة إلى نوع من المحاصصة بين هذه القوى المشاركة في الحكومة لتثبيت مصالحها ومكتسباتها الحزبية. وفي حال عدم التوصل إلى ذلك يصار إلى استعمال الفيتوات المتبادلة على بعضها بعضاً بما يعطّل عمل الدولة، وذلك كلّه يكون دائماً على حساب لبنان واللبنانيين. وعلى ذكر التعطيل، فإنّه يتبين لنا إذا نظرنا إلى فترة ولاية الرئيس عون كرئيس للجمهورية لست سنوات، فإننا نجد أنّ أكثر من 42 بالمئة من هذه السنوات الست ضاعت بسبب عدم القدرة على تأليف الحكومات، وبالتالي تولّت حكومات تصريف الأعمال مهمة الحكم بسبب الشروط والشروط المضادة، وهو الذي أسهم في ما وصل إليه لبنان من انهيارات.”
وختم: “الحقيقة، أنّ حزب الله الذي لجأ إلى اعتماد التهويل، كان يهوّل على الأكثرية، وتحديداً في أنّه – وبعد الانتخابات – التي حصلت في العام 2009 رفض الحزب أن يقبل بأن تتألف حكومة أكثرية، مثل أي نظام ديموقراطي تفوز الأكثرية. وهو لذلك قد أصرّ عبر التهويل بأنّ تتمثل كل القوى الحكومة الجديدة، وفي أن تكون الحكومة حكومة اتحاد وطني، وبالتالي أن يكون للحزب إمكانية التعطيل لأي شيء لا يعجبه”.