كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
«صار الوقت» بالنسبة إلى «التيار الوطني الحر» أن يظهر هيبته بالسلاح. لم ينفع فرض الهيبة باستخدام القضاء وأجهزة الأمن وبالدعاية حول الإنجازات، وتغطية الصفقات بالضجيج «القوي»، طوال ست سنوات من حكم الرئيس «القوي». ولم ينفع الرهان على الانتصارات بالاتكال على الحليف المسلح، ووهم جرّ الدول إلى مفاوضة حليف المحور الإقليمي الإيراني، وخابت الحسابات التي تتوخى تكرار ما يشبه 7 أيار، أو انتشار «القمصان السود» والتلويح بالشارع وتسخير القوى الأمنية والجيش لقمع «ثوار 17 تشرين».
هذه هي ثمرة الذعر الذي استبد ببعض من تحكّموا بالسلطة خلال المرحلة السابقة، بسبب اضطرارهم لمغادرتها وصعوبة استخدام أختامها من أجل ابتزاز سائر القوى السياسية للتسلط على الحياة السياسية بعد الآن. هذا ما أثبته على الأقل إحباط تشكيل حكومة يتحكم فيها الفريق الرئاسي بمرحلة الفراغ التي كان يطمح العهد من خلالها إلى تأمين استمرارية عن طريق الهيمنة على التركيبة الحكومية، بصمود رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عند رفضه التسليم بمطالب الإمساك بقرارها والهادف إلى ضمان تحقيق مكاسب نفعية، بدءاً بمرسوم التجنيس وليس انتهاءً بمزيد من العقود المتعلّقة بالطاقة…
كان المشهد معبّراً بمفارقاته ورمزيته. مسلحو «التيار الحر» يقتحمون الـ»أم. تي. في» ويهددون بالويل والثبور، بعد يومين على توزيع فيديو لفتى في أحد الأحياء الشعبية في طرابلس، يوزع الحلوى لمناسبة انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، لأنه «صار الوقت» عند أكثرية اللبنانيين أن يأملوا بتغيّر أحوالهم بعد مغادرة الفريق الحاكم السلطة، ولو كان هذا الأمل يصطدم فعلياً بعقبات أكثر تعقيداً مما يعتقدون.
هكذا يدفع جموح هذا البعض السلطوي، والخوف من الانكشاف، وتناقص الوزن وتراجع الحجم المنفوخ بعضلات الغير ولا سيما «حزب الله»، إلى مهاجمة محطة الـ»أم. تي. في» بالسلاح، ثم باتهامها بتدبير كمين على طريقة «ضربني وبكى وسبقني واشتكى».
إذا كان صحيحاً أن ما حصل مع برنامج «صار الوقت» سيبقى حادثاً محدوداً في الزمان والمكان لأن الجهة التي افتعلته لن تستطيع جرّ قوى أخرى إلى الملعب الذي أرادت أن تستدرج الآخرين إليه، فإنّ الصحيح أيضا أنّ ثقافة السلاح التي افترض اللبنانيون أنّهم ودعوها مع اتفاق الطائف الذي احتفل أطياف المشهد السياسي بالذكرى الـ33 لانطلاقه، خيّب «حزب الله» أملهم، وقبله فعلت الوصاية السورية.
يرمز ما حصل مع برنامج «صار الوقت»، إلى أنّ امتناع «حزب الله» عن تقديم التنازلات والتواضع بالتخلي عن الامتيازات التي اكتسبها في السلطة خلال عهد عون، قد يشمل استخدام السلاح بطريقة مواربة وغير مباشرة، عن طريق حلفائه. فـ»التيار الحر» انضم بلجوئه إلى إنشاء ميليشياه واستخدامها، إلى تشكيلات «سرايا المقاومة» في الوسط المسيحي، ليصبح أكثر تستراً بعصبيات طائفية وفئوية قد تخدمه أكثر من التورّط المباشر في تطويع الخصوم أو إخافتهم، لفرض «التوافق» الذي يريد على الرئيس المقبل أو على المعادلة السياسية المقبلة.
بات يصعب على من استخدم فائض القوة للتحكم بالحياة السياسية اللبنانية في السنوات الماضية، وبرئاسة الجمهورية، وقوّض مفاهيم اتفاق الطائف والمعايير التي وضعها دستوره لتنظيم الحياة السياسية، وطوّع مؤسساتها الدستورية وأضعف السلطة المركزية وحال دون المحاسبة وعزز منطق الإفلات من العقاب، أن يعود إلى انتظام الحياة السياسية والمؤسسات. فهذا الانتظام، وفق «الطائف»، بات شرطاً أساسياً لمحاولة إنقاذ الاقتصاد ومالية الدولة والوضع المعيشي من الكارثة التي يمر بها.
يوازي الذعر الذي يتحكّم بمغادرة السلطة عند الفريق الحاكم، توتر حليفه القوي، «حزب الله»، من العودة السعودية إلى الساحة بقوة اتفاق «الطائف»، وبهدف إعادة الرياض بمبادراتها وآخرها مؤتمر الأونيسكو الجامع، الاعتبار الجدي لاتفاق «الطائف»، الذي حالت الظروف الإقليمية دون استكمال تنفيذه، بإشراف ورعاية عربية في العام 1990 كما قال الأخضر الابراهيمي.
فالأخير تجنب الحديث عن الأزمة الحالية التي يمر بها لبنان، بدلوماسيته الراقية واستعاد التاريخ. لكن إشارته إلى تلك الظروف الإقليمية لا تمنع إسقاط مغزاها على ما يرافق التأزم الحالي في لبنان. وإذا كان جائزاً الحديث عن عودة سعودية بقوة إلى المسرح اللبناني، فلأنّ تجربة السنوات الماضية كانت كافية لاستخلاص العبرة بأنّ الانشغال عن لبنان، أو تركه يدبر أموره بنفسه خلق مساراً بات شديد الأذية للعرب عموماً وللسعودية ودول الخليج خصوصاً، ما يحتّم السعي إلى تكوين جديد للسلطة يرفع هذه الإذية عن العرب، بإعادة التوازن إلى البلد.
«صار الوقت» للعودة إلى تطبيق اتفاق «الطائف». ولهذا السبب تشن قيادة «الحزب» هجوماً متواصلاً على ما تسميه التدخل السعودي.