كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
لا يزال الفراغ يخيّم على قصر بعبدا مع اتساع الهوة بين أفرقاء الداخل وعدم وصول كلمة السرّ من الخارج، ما يعني أنّ المشهد السوداوي يتحكّم بالإستحقاق الرئاسي، وهو مرشّح لأن يطول أكثر. ولم تنفع كلّ الدعوات السابقة لتأدية النواب واجبهم إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فالفراغ بات معبراً أساسياً لكل استحقاق رئاسي منذ العام 2007، لذلك فإن الآمال باتت معقودة على تسوية أميركية – إيرانية لعلها تُعيد الوهج إلى الرئاسة الأولى.
وحاول رئيس مجلس النواب نبيه برّي تعبئة الوقت الضائع بالدعوة إلى الحوار، لكن هذه الدعوة لم تلقَ طريقها إلى التطبيق مع رفض معظم الأفرقاء تلبيتها تحت حجج عدّة، في حين أنّ الآليات الدستورية كانت تفرض على النواب الإنتخاب وعدم ذهاب فريق «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» إلى لعبة تعطيل النصاب.
ويبدو أنّ «حزب الله» في وضع لا يُحسد عليه، فإنجاز الترسيم مع العدو الإسرائيلي لم ينعكس مكسباً سياسياً سريعاً للفريق «الممانع»، في حين أنّ «الحزب» عالق بين حلفائه الموارنة. فمن جهة لا يريد خسارة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، ومن جهة أخرى يميل إلى تبنّي ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية.
وما هو مؤكد حتى الساعة، أنّ «حزب الله» لن يذهب باتجاه تبنّي فرنجية أو أي مرشّح آخر بانتظار جلاء المفاوضات النهائية مع باسيل، وبالتالي فإنّ الفريق الموالي لـ»الحزب» لا يستطيع تأمين 65 صوتاً لأي مرشّح، لذلك سيظل يذهب إلى لعبة تعطيل النصاب بانتظار رصّ الصفوف.
لا شكّ أنّ «حزب الله» يسعى جاهداً لتوحيد فريقه، لكن ما يظهر أن هناك مرشحَين من فريقه للرئاسة هما فرنجية وباسيل. فإذا سار بترشيح فرنجية فإن الأخير سيحصد أصوات كتل «الثنائي الشيعي» أي 30 نائباً، وكتلة «اللقاء الوطني» (4 نواب)، وسنة 8 آذار (4 نواب)، وبالتالي سينال فرنجية 42 صوتاً بلا أصوات «التيار الوطني الحرّ» و»الطاشناق» وقدامى «المستقبل» والحزب «التقدمي الإشتراكي» الذي يدعم ترشيح النائب ميشال معوض حالياً.
وفي حال رشّح «حزب الله» باسيل، فإن الأخير لن يحصد أصوات بري وفرنجية وبعض المستقلين، لذلك سينال 20 صوتاً هي مجموع أصوات كتلته و»الطاشناق» إضافةً إلى أصوات «الحزب» البالغة 15 وبالتالي لن يتجاوز رقم باسيل الـ35 صوتاً.
إذاً، فإن الأرقام و»البوانتاجات» تتحدّث لوحدها، فـ»حزب الله» غير قادر على دعم ترشيح فرنجية من دون تأمين رضى باسيل لأنه غير قادر على تأمين فوزه، ولا يستطيع دعم باسيل رئاسياً بلا دعم بري والحلفاء في 8 آذار، ما يوصل إلى معادلة أن باسيل يُطيّر ترشيح فرنجية في حين أن بري يُطيّر ترشيح باسيل ويضرب فرص وصوله.
وإذا كان «حزب الله» يرغب بعدم تشتت فريقه، إلّا أنّ حلفاءه الموارنة يجب أن يعلموا جيداً أن بري يمثل حاجة لـ»الحزب» ولا يمكن أن يُغضبه لأنه لا يريد أن يخلق انقساماً داخل الساحة الشيعية. وأمام كلّ هذه الوقائع وتفادياً للإحراج، يترك «الحزب» لبري إدارة المرحلة السياسية بالطريقة الأفضل، في حين يعلم «الحزب» جيداً أن فرص وصول باسيل للرئاسة شبه معدومة لأنه يواجه رفضاً داخلياً وخارجياً ولا يمكن السير بمرشح من هذا النوع ممكن أن يُحدث إنقساماً داخلياً سيرتد سلباً على «الحزب»، لذلك فإنّ الأمور متروكة لساعتها ولا يريد «الحزب» حرق المراحل من الآن بانتظار إتضاح صورة التطورات الكبرى.