Site icon IMLebanon

الشغور العراقيّ وتجارب الشغور اللبنانيّ

كتب طوني فرنسيس في “نداء الوطن”:

استمر الشغور الرئاسي في العراق عاماً كاملاً قبل أن يتمكّن المجلس النيابي المنتخب في أعقاب «انتفاضة تشرين»، من انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء. احتاج الأمر ضغوطاً وتوتّرات وإبعاداً للكتلة النيابية المنتخبة الأكبر عن الحياة النيابية والسياسية لكي يتم الإمساك جيداً بالقرار. تمّ في البداية منع كتلة مقتدى الصدر من تنفيذ برنامجها والاتيان بحكومة متجانسة تقيم فصلاً بين موالاة ومعارضة، ونُظّمت حملة ضغوط ضد الصدر وصلت إلى إلقاء الحرم الديني الإيراني عليه ودعوة أتباعه إلى الالتحاق بمظلة المرشد الإيراني، في وقت كان الإطار التنسيقي وهو تجمع للكتل النيابية العراقية الموالية لإيران يمارس شتى الضغوط للامساك بالساحة السياسية. انسحب الصدر من المشهد، استقال نوابه وأعلن شخصياً اعتزاله العمل السياسي فخلت الساحة لخصومه وحققت إيران فوزاً لم تكن لتتخلى عنه.

الشغور العراقي كان نسخةً عن شغورٍ لبنانيّ سابق جرى فرضه في مناسبتيْن، الأولى بعد انتهاء ولاية إميل لحود والثانية في ختام ولاية ميشال سليمان. انتهى الشغور الأول بغزوْة مسلّحة توّجت مرحلة من الاشتباكات والاغتيالات أسفرت عن «إقناع» من لم يقتنع بحسنات «اتفاق الدوحة» وصيغة الحكم التي أتى بها!

أمّا الشغور الثاني فكان مماثلاً في المضمون ولو اختلفت أشكال الضغوط والمخارج.

بعد عاميْن ونصف انضم معارضو «حزب الله» إلى اقتراحه ومرشحه الأوحد، وكانت النتيجة الإتيان بميشال عون رئيساً إلى أن انتهت ولايته قبل أيام.

استوجب ملء الفراغ العراقيّ كما اللبنانيّ إحداث فراغ مقابل في الحياة السياسية والتوازنات العامة. كان ثمن الفراغ اللبناني الأول والثاني فادحاً بمقدّماته ونتائجه، في السياسة والاقتصاد والنسيج الاجتماعي. في الأول فقد أشخاصٌ أرواحهم، وفي الثاني فقدت قوى سياسية رؤاها.

واليوم، ونحن في خضمّ الفراغ الثالث، تفتقد القوى السياسية اللبنانية «صدرها». فسعد الحريري يُشبه إلى حدّ بعيد مقتدى الصدر العراقي، وغيابه منذ الانتخابات الماضية أحدث فراغاً يصعب ملؤه.

لكنّ هذا الغياب لا يجعل الأمور سالكة أمام قوى «الإطار التنسيقي» اللبناني، وإلّا لكانت تمكّنت من فرض مرشحيها من دون أية حسابات.

نحن أمام مشهد عراقيّ متكرر لكنّ عناصره اللبنانية أكثر ثباتاً. وفي جلسات انتخاب رئيس الجمهورية المتتالية برزت هذه العناصر بوضوح عبر ترشيح واضح وثابت لميشال معوض فيما كان «الاطار» عاجزاً عن محاولة الدخول في الأسماء.

واليوم في الجلسة الأحدث من جلسات الفراغ، آن الأوان للتخلي عن تجارب سابقة في لبنان، والامتناع عن استلهام النموذج العراقيّ، فالدولة تحتاج مؤسساتها مكتملة. فليترشّح ولينجح من يفوز بالأغلبية، ولنرَ أين سيقودنا نواب الوطن النهائي.