كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يبقى ملف النزوح السوري الشغل الشاغل للبنان وسط ترقب لكيفية انتهاء الأزمة السورية وما ستحمله من مستجدات تطال ملف العودة. ويُشكّل النزوح السوري إحدى القضايا وأبرزها التي تهدّد الكيان، فقد مرّ نحو 11 عاماً على بدء النزوح ولا بريق أمل يشي بقرب حلّ هذا الملف الوجودي.
وبات الجميع على يقين أنّ هذا الملف لا يُحلّ بـ»المفرّق» وإنّما بل يحتاج إلى قرار عربي ودولي غير متاح حالياً لأنّ حسابات الدول الكبرى مغايرة تماماً للحسابات والهواجس اللبنانية.
وإذا كان الأمن العام بقيادة مديره العام اللواء عباس إبراهيم يبذل الجهود من أجل تأمين بعض العودة الطوعية بتكليف من السلطة اللبنانية، إلّا أنّ حجم هذه العودة لا يرتقي إلى حجم الأزمة وعمقها، وبالتالي فإنّ الأمر يحتاج إلى قرار دولي وتسوية على صعيد الأزمة الشاملة في سوريا والمنطقة.
وبرزت نافذة أمل في 16 تموز من العام 2018 عندما عقد كل من الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين القمة الشهيرة في هلسنكي، والتي تقرّر خلالها عودة النازحين السوريين من بلاد الجوار ومن ضمنهم لبنان طبعاً.
لكن رياح العودة لم تجرِ كما تشتهي السفن اللبنانية، إذ إنّ موضوع العودة تأخّر لأسباب باتت معروفة وحصل الإنهيار الكبير في لبنان، فباتت أعباء النزوح السوري أضعافاً مضاعفة وتُثقل كاهل الوطن المنهار الذي يترنّح تحت عبء أكبر أزمة إقتصادية.
ويكشف أحد الدبلوماسيين اللبنانيين الذي التقى المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون أنّ الأخير أخبره أن لا حلّ قريباً لأزمة النزوح لأن الدول الكبرى التي ستموّل إعادة الإعمار في سوريا لم تتّخذ القرار بذلك. وفي السياق يؤكد بيدرسون أنّ القرار السياسي لحلّ الأزمة السورية مرتبط بالولايات المتحدة الأميركية وروسيا في حين أن تمويل إعادة الإعمار مرتبط بشكل أساسي بدول الخليج والدول الأوروبية.
وفي معرض شرح موقف بيدرسون، فإنّ هناك قراءة تشدّد على أن الحرب الروسية – الأوكرانية نقلت الإهتمام الدولي من الأزمة السورية إلى أوكرانيا، لذلك فإن كل الإهتمام منصبّ هناك، في حين أنّ التقارب الروسي ـ الأميركي الذي حصل خلال قمة هلسنكي كانت له ظروف مغايرة تماماً. وفي السابق كان ترامب صديق بوتين وكانت العلاقات بينهما جيدة، أما اليوم فإن موسكو تتّهم واشنطن بافتعال حرب أوكرانيا ودعمها عسكرياً، لذلك فإن العالم أمام مواجهة أميركية – روسية على أرض أوكرانيا.
وبالنسبة إلى تمويل عودة النازحين فإنّ كلاً من دول الخليج والدول الأوروبية يرفض تمويل مثل هكذا عملية ضخمة، فالدول العربية تحتاج إلى ضمانات وأبرزها عودة سوريا إلى الحضن العربي وفكّ إرتباط النظام السوري بالنظام الإيراني، ولن تدعم الدول الخليجية نظاماً يدعم خصومها. أما أوروبياً، فإن كل الإهتمام الأوروبي العسكري والمالي ينصبّ على أوكرانيا، فكييف تحاول وضع حدّ لموسكو ولو سقطت كييف لأصبح بوتين في قلب «القارة العجوز»، وكل تمويلها يذهب إلى دعم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لذلك فإن الدول الأوروبية مع إبقاء النازحين السوريين في دول الجوار ومن ضمنها لبنان.
وأمام كلّ هذه الوقائع، فإن المفاعيل السياسية لإتفاق هلسنكي سقطت ولم يعد هناك من أمل لترميمها، لذلك فإن أجراس عودة النازحين السوريين لم تقرع بعد، وما على لبنان إلّا التحمّل أكثر والصبر وسط تنامي ضغط النزوح وتهديده للكيان اللبناني، في حين أنّ كلّ تهديدات بعض أركان الدولة اللبنانية وعلى رأسهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بفرض العودة، لم تحرّك الرأي العام الغربي الذي يوفّر الدعم للنازحين عبر هيئات الأمم المتحدة ويغضّ النظر عن معاناة اللبنانيين.