Site icon IMLebanon

“فيوزات” نصرالله والمقاومة الترسيمية

كتب علي شندب في “اللواء”:

بشيء من التنمّر السياسي والإعلامي المتدرج على خصومه اللبنانيين، وببعض الإستعلاء المغلّف بتواضع مدجّج بانتصار مزيّف، أراد زعيم حزب الله إخفاء عين الشمس في الغربال، معتبراً أن الترسيم الذي حصل مع العدو الإسرائيلي انتصار كبير جداً. وفي مقاربة مفاجئة ولم يتوقف عندها أحد لا من مؤيدي حزب الله ولا من خصومه، رمى «زعيم حزب الترسيم» معادلته الذهبية الجيش والشعب والمقاومة أرضاً، واستبدلها بمعادلة جديدة هي معادلة «الدولة والشعب والمقاومة». وقد بدا انقلاب نصرالله على معادلته السابقة مؤشر على تذمّره من قيادة الجيش اللبناني التي أكدت عبر وفدها المفاوض برئاسة العميد بسام ياسين أن الخطّ 29 هو نقطة الحدود اللبنانية مع الكيان الإسرائيلي، وليس النقطة 23 التي أبرم اتفاق الترسيم على أساسها بغياب قيادة الجيش عن التوقيع التي قالت انها تلتزم القرار السياسي للدولة، ثمّ «أنجزت المهمة» بواسطة مسيّرات (ما بعد بعد كاريش المتناسلة من صواريخ ما بعد بعد حيفا)، ومن ثمّ الدولة التي كانت ممثلاً طيّعا لحزب الله في مفاوضات الترسيم ما دفع بنصرالله لترقيتها لتصبح أحد أضلاع معادلته الجديدة.

انّها براغماتية التنمّر التي تجلّت بإطلاق نصرالله عبارة «طقّوا فيوزاتن» على خصومه اللبنانيين خصوصاً أولئك المصنّفين بأصدقاء الولايات المتحدة الذين هالهم أن يجدوا صديقتهم واشنطن تبرم اتفاقاً تاريخياً مع الحزب الذي تضعه واشنطن في أعلى سلّم التصنيفات الارهابية. وفيما تلاحق وزارة الخزانة الأميركية شبكاته حول العالم لتجفيف موارده المالية، يوقّع البيت الأبيض معه عقد مشاركة نفطية وغازية عبر اتفاق الترسيم. أمر في غاية التناقض، كما وفي ذروة اللامنطق، لكنه في صلب البراغماتية التي اتسم بها حزب الله كما صرّحت السفيرة الأميركية في بيروت.

«طقّوا فيوزاتن» لم يكن معيار التنمّر الوحيد من قبل نصرالله الذي عاش لحظات ما بعد النشوة القصوى وهو يسجل انتصاره على خصومه من أصدقاء أميركا من واقع التخادم وليس التناقض معها. لكن نشوة نصرالله الذي فكّ استنفار وحداته المسيّرة والمخيّرة تعبيراً عن حالة جديدة مستدامة من الاستقرار على ضفتي الحدود مع الكيان الإسرائيلي، سرعان ما تبخّرت مع ورود كلام أميركي جديد على لسان مساعدة وزير الخارجية الأميركية بربارا ليف التي تحدثت عن اللعنة (أو الطاعون) التي يمثلها حزب الله وأيضاً عن ترجيحها تفكّك لبنان وزوال الدولة فيه، كما وتبشيرها بموجة جديدة من المظاهرات لتكثيف الضغط على الطبقة السياسية في ظل الفراغ الدستوري وشلل مؤسّسات الدولة الى ما بعد الانهيار.

كلام بربارا ليف هذا، ورغم دويه الهائل مرّ مرور الكرام في التداول والتحليل السياسي والإعلامي في لبنان، لكنه كان محلّ تركيز مطوّل ومسهب من قبل زعيم حزب الله في خطابه بمناسبة يوم الشهيد. ردّة فعل نصرالله الذي غادر مربع الهدوء والاطمئنان النفسي ليشنّ هجوماً عنيفاً ضدّ الولايات المتحدة وتاريخها في الغزو والعدوان والدمار على شعوب المنطقة كما يسميها، وهذا صحيح. لكن الصحيح أيضاً أن هذا الكلام غاب عن أدبيات نصرالله أثناء مفاوضات الترسيم بطلب إيراني كعربون ثقة لطمأنة إسرائيل من الصفقة النووية مع إيران. والى كلام بربارا ليف، برز كلام جديد للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين مفاده «أن إتفاق الترسيم لا يحل النزاع بين حزب الله وإسرائيل». يا للهول إنّه الكلام المناقض لكلام هوكشتاين إياه عندما تحدث أيضاً عن «الاستقرار والأمن المستدام بين إسرائيل ولبنان».

الخطير في كلام نصر الله هجومه الأوضح على 17 تشرين ووصفها صراحة وخصوصا منظمات الـ NGO’S بأنهم أدوات أميركية لإحداث الفوضى في لبنان، ولهذا كشف نصرالله عن تصدّيه لـ 17 تشرين منذ اللحظة الأولى. وإذا كان جانباً مما قاله نصرالله صحيحاً لجهة تمويل الأميركيين وغيرهم لبعض مجموعات المجتمع المدني، فإن الصحيح أيضاً أن نصرالله وملهمه الجنرال قاسم سليماني خاضوا غالبية حروبهم ضد داعش بحماية الأباتشي الأميركية، ومن ثم بحماية الباصات المكيّفة والمفيّمة. وربما وجب تذكير نصرالله أنه انخرط استنسابياً في دعم الثورات العربية لعرّابتها وصاحبتها واشنطن كما يقول، فبعد أن كان يدعمها في مصر وتونس والبحرين سياسياً وإعلامياً وبعض يقول حتى عسكرياً مع الناتو ضد ليبيا، وقف ضد هذه الثورات في سوريا واليمن ومؤخراً ثورة تشرين في العراق التي تواطأ عليها مع الحرس الثوري والحشد الشعبي، وخلفية موقفه بكل الحالات تعبير عن المشروع الإيراني المذهبي المتغوّل في المنطقة.

وبهذا ربما على نصرالله أن يعلم بأن القاعدة التمثيلية لـ 17 تشرين توازي أو تفوق تمثيله لجزء من المكوّن الشيعي، وأن مئات الآلاف خرجوا الى الساحات والميادين والشوارع ضد منظومة الفساد والسلطة والسلاح وناظمها حزب الله، والتي تعمل وفق معادلة مقايضة معروفة «غطّوا على سلاحنا نغطّي على فسادكم»، وهي المعادلة الحقيقية التي يحكم حزب الله وبواسطتها سيطرته على البلاد والعباد وعلى معادلته الجديدة خصوصاً «الدولة والشعب والمقاومة».

لقد تجاوز نصرالله في مواقفه ومقارباته المختلفة مبدأ ازدواجية المعايير الذي لطالما اتهمت به الولايات المتحدة. فثمة تناقضات وانقلابات دراماتيكية في مواقف نصرالله تم رصده متلبساً بها على هامش اتفاقية الترسيم، حيث رفض تخوين البعض له بخصوص اعتماده الخط 23، فيما هو ينطلق بلا هوادة لتخوين أكثر من مليون لبناني خرجوا يوم 17 تشرين. وأغلب الظن ان نصرالله بهذا الموقف قد جانب الصواب، وبدا متطابقاً مع نظيره سمير جعجع الذي «يعتبر ان كل من هو ضد حزب الله حتماً معه»، تماماً كما يعتبر نصرالله «أن كل من ليس معه، هو تماماً مع الشيطان الأكبر» الذي أبرم نصرالله معه اتفاقية الترسيم. وكما بات جعجع مسلّماً بفشل نظريته الخرقاء، على نصرالله أن يراجع حساباته قبل أن يسمع اللبنانيون يتحدثون عن «المقاومة الترسيمية» ويقولون «وطقّوا الفيوزات».