جاء في “اللواء”:
تتكشَّف بين جلسة وجلسة، معالم وضعيات جديدة يتجه إليها لبنان بعد الرئيس رقم 13، في محاولة لملء خلو الرئاسة بالرئيس رقم 14، الذي تدور «أم المعارك» حوله بين المحور الأميركي – الفرنسي – العربي، والمحور الإيراني – السوري – الروسي – وحركات المقاومة أو مختصراً محور الممانعة، فيُدعى المجلس النيابي الذي تشكَّل غداة ما عُرف بانتفاضة 17 (ت1) أو حراك 17 (ت1) عام 2019، وها قد مرَّ عليه ثلاث سنوات ونيف بالتمام والكمال، الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يخلف الرئيس العماد ميشال عون في بعبدا.
ad
وحسب الجلسات فكل محور يُغنّي على ليل رئيسه، سواء أكان ممكن الوصول الى بعبدا، أو ممتنع عليه الأمر، لدرجة الاستحالة. الفريق الأول، أو محور «السيادة» يتجمع وراء النائب الزغرتاوي ميشال رينيه معوض، على أمل كسر المحظور، والوصول الى القصر، بهدف تحقيق برنامج «إنقاذي» يقول الرجل أنه بحوزته، ويبدأ بالانفتاح على العالم العربي، أو أن يستعيد العرب لبنان الى آخر ما في الجعبة المستترة أو المعلنة.
والفريق الثاني أو محور «الممانعة»، وهو يتألف لتاريخه من أطراف أربعة غير متجانسة لا في الأهداف، ولا في المنطلقات أو الأبعاد: حزب الله، حركة امل، التيار الوطني الحر، تيار المردة، والنواب الفرادى أو المجموعات المنضوية تحت مسمى 8 آذار، ومرشحه المضمر النائب السابق سليمان فرنجية، وهو رئيس تيار المردة، وعليه تنطبق المواصفات التي تريح الثنائي الشيعي، وتغضب الحليف القوي لحزب الله: تيار جبران باسيل، الذي يجاهر بالرفض المطلق لفرنجية لحسابات، بعضها معلن والبعض الآخر، يتوارى خلف الحسابات الباطنة والظاهرة في الخلفية الذهنية والمسلكية لقياد التيار العوني، وفي مقدمهم باسيل شخصيا.
في غمرة التباينات هذه، تطفو على السطح بقوة حدود المقبول والممنوع عند حزب الله، سواء في ما خص العلاقات بين الحلفاء أو مقاربة الاستحقاق الرئاسي.
ويحضر في هذا المجال، ما نقله الزميل قاسم قصير عن لقاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في ما خص الاستحقاقات المحيطة بالوضع في لبنان والمنطقة أمام كوادر حزبية… في ما يعني العلاقة مع حركة أمل، أكد السيد نصر الله «على ضرورة حماية التحالف الاستراتيجي بين حركة أمل وحزب الله داخل الطائفة الشيعية».
وكان واضحاً للعيان، ماذا يعني أن يرسل رئيس الحركة، وهو رئيس مجلس النواب أيضاً الرجل الثاني في الحركة، أي معاونه السياسي النائب علي حسن خليل لتمثيله وتمثيل الحركة في احتفال يوم شهيد حزب الله، يوم الجمعة الماضي.
في ما خص انتخابات الرئاسة، ينقل قصير عن نصر الله، خلال اللقاء مع الكوادر، أن «حزب الله لم يحسم خياراته، وهو منفتح على كل الاحتمالات، ودعم أي مرشح يحفظ الثوابت الأساسية التي تحفظ موقع المقاومة».
على أن الأهم، في ما يتصل بالرئاسة، ليس فقط «الثوابت التي تحفظ المقاومة»، وإنما أيضاً «وضع مشروع متكامل للمرحلة المقبلة من اجل تطوير النظام السياسي انطلاقاً من وثيقة الطائف والاصلاحات التي تضمنتها، ومعالجة كل الثغرات التي برزت خلال السنوات الثلاثين الماضية».
وفي محاولة لتطمين شرائح لبنانية وقوى عربية ذات تأثير، بعد منتدى الطائف السبت ما قبل الماضي (5ت2) الذي نظمته السفارة السعودية في بيروت، انتصارا للاتفاق الذي أنهى الحروب اللبنانية، وفتح الباب أمام دستور جديد، لا يزال يحافظ على أمن واستقرار البلد، على الرغم من الزلازل التي ضربته، نقل عن نصر الله قوله: «إن الحزب لم ولن يطرح أي تعديل لاتفاق الطائف أو الدستور الحالي»، كاشفاً عن حوار متقدم مع البطريركية المارونية للاتفاق على رؤية مشتركة في كل الموضوعات، انطلاقاً من استعداد الحزب «لمناقشة أو حوار مع كل الطروحات» المتعلقة بالوضع في لبنان. على الجبهة «السيادية» التي يتجه 40 نائباً يدورون في فلكها الى عقد اجتماع غد الثلاثاء للتوصل الى توجه يقضي بعدم المشاركة في أي جلسة تشريعية، للضرورة أو لعدم الضرورة، نظراً الى مضمون المادة 75/د التي تتحدث عن تحوّل المجلس الى هيئة ناخبة، وعدم جواز القيام بأي عمل آخر، ما لم يحصل الانتخاب.
على أن الثغرات في التجمعات النيابية للجبهة المناوئة الى درجة العداء لحزب الله، تنطلق من خطأين جسيمين، من المعيب الاستمرار في القفز مجدداً فوقهما:
1- الخطأ الأول يتعلق بالنصاب الذي يقتضي الشروع في انتخابات الجلسة الثانية: 86 أو 65 نائباً، وإثارة هذه النقطة مجدداً يعني الذهاب الى احتكاك لا تحمد عقباه مع رئاسة المجلس النيابي، كما نقل عن مقربين استناداً الى ما برز في الجلسة رقم 5.
2– والخطأ الأول، يقفز فوق الوقائع التاريخية فلبنان لا ينتخب رئيساً للجمهورية لأول مرة، والرئيس حسين الحسيني الشاهد الحي على اتفاق الطائف، وخلاصة مناقشاته، يجزم بنصاب الثلثين حضوراً لانتخاب الرئيس. أما الخطأ الثاني، فهو على صلة بعواقب التنكر للمجريات التاريخية التي تكشف على حجم التفاهم بين المكونات الكبرى أو الطوائف الست في ما خص قبول هذا المرشح أو ذاك للرئاسة الأولى، ولا حاجة لإيراد وقائع، ما دام السجل التاريخي حاضرا بقوة… فلا رئيس ممكن للجمهورية لا يحظى بقبول بكركي أو المرجعية للمسلمين السنة، وكذلك الحال بالنسبة للطائفة الشيعية المتوحدة خلف حزب الله ومقاومته.
من شأن التلاعب بالوقائع التاريخية، القفز فوق الوقائع أو الحقائق المشكلة للواقع الراهن، وبالتالي فتح البلد على خياراته، ليست مرة بل مريرة، وقد تكون مدمرة، في مطلق الأحوال، أو أحسنها. فليس من قبيل الصدفة تعطيل منصة التزلج في الأرز، ولا حتى إطلاق رصاصة طائشة على طائرة كانت تقترب من الهبوط على أرض المطار، فضلاً عن توقيف «الشبكات الارهابية» التي كشف النقاب عنها. في المعمعة هذه ترتفع الأصوات عن عدم جواز الفراغ الطويل، فبري يتحدث عن أسابيع محتملة فقط، وكذلك الحال بالنسبة للأفرقاء المسيحيين، وربما هذه نقطة خلاف ستبرز الى العلن بين حزب الله والتيار الوطني الحر لجهة عدم قبول الأخير بمنهجية الحزب لجهة المضي بالتعطيل لحين الإقرار كلياً بأن لا بديل لفرنجية للرئاسة الأولى.
ومع ارتفاع الأصوات الفرنسية والسعودية حول ضرورة المضي قدماً بانتخاب رئيس، يواصل رئيس المجلس ادارة مشاورات تستثني فقط التيار الوطني الحر وربما «القوات اللبنانية»، وهي تتركز مع القيادة الدرزية عبر النائب السابق وليد جنبلاط، ومع الموارنة عبر بكركي، حيث دخلت الاتصالات في تداول الأسماء منها القديم ومنها الجديد، ومع السنَّة عبر الرئيس نجيب ميقاتي، وقيادات أخرى، فضلاً عن دار الفتوى، بحثاً عن رئيس، في وقت يجري فيه الكلام عن خلط أوراق في التحالفات والمقاربات، لا سيما بين التيار الوطني الحر وحزب الله، على مسائل كثيرة، ربما من شأن الأيام والأسابيع المقبلة الكشف عنها، بانتظار الحدث الكبير، الذي يُغيّر ما في نفوس الكتل وحساباتها!