كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
من نافل القول أن أحداً في لبنان غير قادر على فرض رئيس للجمهورية من دون توافق فعلي بين القوى السياسية، وهذا التوافق ما زال الى الآن بعيد المنال ما لم نقل مستحيلاً، ويترافق ذلك مع غياب أي مبادرة خارجية جدية حيال هذا الاستحقاق، حيث لم يسجل خارج الحدود غير التواصل الفرنسي – السعودي الذي لم يتسرب عنه أية معطيات أو معلومات تشجع على القول بأن هناك إمكانية لإحداث خرق في الجدار السميك المرتفع بين القوى السياسية في لبنان حول الاستحقاق الرئاسي.
وقد عكس الارباك الذي يتحكم بعمل اللجان النيابية حجم الاحتقان السياسي الموجود الذي يعطي انطباعاً لدى المتابعين بأن كسر الانسداد السياسي في الوقت الحاضر صعب، وبالتالي فإن عداد أيام الفراغ الرئاسي سيأخذ مداه في الارتفاع.
واذا كان هناك من يتوقع أن يعود الرئيس نبيه بري عن قراره بغض نظره عن الدعوة الى الحوار بقالب آخر يأخذ الحوار الثنائي أو الثلاثي، فإن المعلومات تقول إن الرئيس بري رغم حرصه على عدم إطالة أمد الفراغ، فانه لا يزال يترقب مسار الأمور وهو الى الآن لم يجد أي مستجد يجعله يعود عن قراره، وأن هذه الصورة مرتبطة بتلمُّسه أجواء توافقية متلائمة تجعله يقدم على خطوته، وهو واثق بأن خاتمة الحلقات الحوارية تأتي أُكُلها في نهاية المطاف، بحيث تردم الهوة الموجودة بين القوى السياسية وتعبِّد الطريق أمام شخصية توافقية للوصول الى قصر بعبدا، وما عدا ذلك فإن الرئيس بري سيواضب على الدعوة لعقد جلسات انتخابية متتالية الى حين نضوج المناخات الداخلية والخارجية في ما خص الاستحقاق الرئاسي.
واذا كان الأفق الداخلي مسدوداً الى هذا الحد، فهل هناك من تحرك خارجي تجاه لبنان للمساعدة في تجاوز هذا المطب الرئاسي؟.
حتى الساعة لا يوجد أي تحرك خارجي فعلي باستثناء الاتصال الذي اجراه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، حيث اكد ماكرون في اتصاله على «ضرورة انتخاب رئيس للبنان واجراء اصلاحات هيكلية لا غنى عنها لنهوض البلاد»، وفق البيان الذي صدر عن الرئاسة الفرنسية، وعدا هذا الاتصال لم يسجل اي حراك اخر، رغم الايحاءات الفرنسية بأن الرئيس ماكرون لن يترك لبنان وهو عكس هذا التوجه منذ زيارته لبنان إبان انفجار الرابع من آب.
وتؤكد مصادر سياسية مطلعة في هذا المجال أن باريس تبذل جهوداً من اجل تحييد لبنان عن الاشتباك الحاصل في المنطقة، وهذا الامر سيثيره الرئيس الفرنسي مع عدد من رؤساء الدول الذين سيلتقيهم في مؤتمرات دولية ستعقد في اكثر من مكان في الايام والاسابيع المقبلة، من دون ان يعني ذلك بأن فرنسا ستنجح في هذه المهمة، وبالتالي سيكون انتخاب رئيس في لبنان وشيكاً، وذلك قياساً للكباش الذي يأخذ الشكل «العنكبوتي» في المنطقة، وهذا ما يجعل مهمة الفرنسيين صعبة للغاية ما لم يكن هناك من تسوية يتفاهم عليها الخارج قبل الداخل اللبناني.
وتلفت المصادر النظر إلى أن الدبلوماسيين الذين يجولون على المسؤولين يومياً في لبنان يكررون بأن الاولية في الملف الرئاسي هي لتفاهم القوى السياسية في لبنان على شخصية تتولى هذا المنصب، وأن المساعدة الدولية في هذا المجال تأتي تالياً، سيما وأن ما يجري في المنطقة لا يجعل لبنان من الاولويات على الاجندة الاقليمية والدولية التي تعج بالاحداث الكبيرة.
انطلاقاً من هذا المشهد السياسي في الداخل والخارج والذي على ما يقول المثل الشعبي «مش معروف كوعه من بوعه» فإن الفراغ الرئاسي آخذ في التمدد، وإن لبنان سيبقى معلقاً على حبل الانقسامات الداخلية والكباش الخارجي، وإن عداد جلسات الانتخاب الى مزيد من الارتفاع مع قابل الايام ما دام الحوار الداخلي معطلاً، وما دام الحراك الخارجي غائباً او مجهولاً، وإن كل ذلك يؤشر الى توقع حصول المزيد من التداعيات السلبية على مجمل الواقع اللبناني في مختلف مجالاته، حيث ان استمرار التدهور في الوضعين الاقتصادي والمعيشي والذي من المقرر ان يتفاقم أكثر فأكثر مع صدور الموازنة التي تحمل في بنودها المزيد من الضرائب والرسوم التي ستؤدي الى رفع الاسعار اضعافاً مضاعفة بما يبعث على الخوف من انفلات الشارع على عقاله وهو امر بتقدير خبراء ومتابعين بات وشيكا،ً حيث وصلت الامور الى حد القول بأن لبنان بات يصح به قول المثل «لا تهزه واقف على شوار».
من هنا فإن جلسة الانتخاب السادسة لن تختلف أبداً من حيث النتائج عن الجلسات الخمس التي سبقتها وهو ما يعني ان الفراغ مرشح له ان يستمر الى ما بعد نهاية هذا العام، اذ ان كل المعطيات تؤكد لا بل تجزم بأن القوى السياسية المنضوية داخل البرلمان من غير الوارد ان تتزحزح قيد أنملة عن سلوكها تحت قبة البرلمان، وأن غالبية المواقف التي تطلق من هنا او هناك لم تخرج بعد عن دائرة جس النبض او النكد السياسي، وهو ما يعني بأن السلبية ستبقى تطغى على الاستحقاق الرئاسي وتفتح الباب امام المزيد من التشنج وتمدد الفراغ.